8 أكتوبر, 2014 - 5:43:30 مساءً
آخر تحديث : 8 أكتوبر, 2014 - 5:43:30 مساءً
صحيفة مبتعث - خالد الشعلان
صحيفة مبتعث – خالد الشعلان
أول قدومي لبلد الإبتعاث إلتقاني في مطار هيثرو بلندن صديقٌ كريمٌ قد قدم من مدينة شيفيلد من مسافة تستغرق حوالي خمس ساعات . ركبنا القطار الذي سيأخذنا إلى المدينة التي بها معهدي . أخذَ يحدثني عن البدايات وصعوباتها ، وأنا أستمعُ له ولا أكاد أفوّت حرفاً مما قال ، ولست أدري هل كان ذاك مني حرصاً أو خوفاً أو مزيجاً بينهما . أذكر أنّ صديقي إلتقط لي صورةً أولَ وصولي ، ووعد بأنه لنْ يرسلها لي إلا مع آخر يومٍ لي ببلد الإبتعاث . العجيب أني أترقبُ تلك الصورة لأني لم ألتقطَ لنفسي غيرها ، ربما لأني أُخِذْتُ وقتها بهمّ آخر.
وصلنا إلى مكان إقامتي في مدينة كامبردج في بيتِ عجوزٍ انجليزية مسلمة من أصول أفريقية ، وما إنْ إستلقيتُ على سريري إلا وتواردت عليّ الخواطرُ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ ، كيف ستكون البداية وكم هي بعيدة تلك النهاية .. استغرقتُ في خواطري حتى استغرقتُ في النوم فلم أستفق إلا بإشراقة أول يومٍ لي هنا .
خرجتُ مع صديقي ليريني طريقي إلى معهد اللغة وإلى مركز المدينة والمسجد ، ثم ودّعني ليعود من حيث جاء وبقيتُ لوحدي بلا صديقٍ ولا لغة . لحظاتٌ صعبة أن تجد نفسك غريبَ الأرضِ والثقافةِ واللغةِ ، وأمامك مهمة بعيدة المدى ترجوا أن تتم .
في الصباح الباكر من اليوم التالي انطلقتُ إلى معهد اللغة وكان في استقبالي موظفة لا احتفظ لها بذكرى طيبة ، يوم أنْ قالت لي ليس لك مكان بالمعهد لأنه لا يقدم برامج للمبتدئين . اضطررتُ لمقابلة مديرة المعهد لأن لدي قبولٌ مسبقٌ منهم ، وقبل أن ألتقيها اتصلتُ بصديقي الذي استقبلني أول مرةٍ فطمأنني ، وأخبرني أنّ مديرة المعهد ستجري لي مقابلة ، وأنّ غالبَ أسئلتهم ستكونُ عن كذا وكذا فأعدد لها جواباً ، وبالفعل حدثَ ما أخبرني به ، ثم أجرَتْ لي اختباراً ثم أخذتني بعدها لمقعد دراستي ، فلا تسلْ عن ماذا انتابني من خواطر وأنا أجلسُ كطالبٍ مبتدئ بعد أن كنتُ أحاضر في الجامعة . ولا تسلْ عنْ بُعْدِ الهوة التي وردت على ذهني بين نيل درجة الدكتوراه والدرس الذي استمع إليه في دراسة اللغة . مهمة صعبة وشعورٌ صعب ولكن شيئاً واحداً ما زلتُ أتذكره جيداً وهو أني لم أضع في ذهني ولو للحظة واحدة أني سأتراجع عنْ ما جئتُ من أجله ، بل كلّ الذي سيطر عليّ أني سأثابر بكل ما استطيع ، ولن أشغل نفسي بأمر النجاح فهو بيد الله وحسب .
دارت الأيام وانقضت مرحلة دراسة اللغة ومرحلة دراسة الماجستير والأمل أن تتم مرحلة الدكتوراه . ولما أتذكر ما بين تلك البداية واليوم أجدُ البونَ شاسعاً والمفارقاتِ كبيرة ولا أكاد أصدق.
إنّ البدايات لنيل أعلى الدرجات مهمة ليست بالسهلة على كل حال ، لكن شيئاً ما أحمدُ الله عليه وهو ما هيأهُ الله لي من إرادة أجدها في نفسي ، وما هيأهُ لي من أصدقاءَ أوفياءَ وجدتهم حولي ، شاركوني الهمّ والاهتمام وقاسموني الحلو والمرّ كما يقال . وهو ما أراه عونا لي في كثير من الأمور .. إرادةٌ في القلب تستمدُ قوتها من رب معك ، وصداقة في الحياة تلتمس بركاتها من أوفياءَ حولك .
ولذا يا صديقي لا تقلق من صعوبات البدايات ولا من بعد النهايات ، فقط ضعْ قدمك في أولِ الطريق الصحيح ، وابدأ رويداً رويداً وخطوة خطوة ، واجعلْ جُلَّ اهتمامك في واجب الوقت الذي أنت فيه لا في أمل المستقبلِ الذي تتطلعُ إليه ، واتخذ لك أصدقاءَ لهم مثلُ همّك وإرادتك تتقاسم معهم السعادة لتكبر وتتقاسم معهم الهمّ ليصْغر .
صحيفة مبتعث - خالد الشعلان
صحيفة مبتعث – خالد الشعلان
أول قدومي لبلد الإبتعاث إلتقاني في مطار هيثرو بلندن صديقٌ كريمٌ قد قدم من مدينة شيفيلد من مسافة تستغرق حوالي خمس ساعات . ركبنا القطار الذي سيأخذنا إلى المدينة التي بها معهدي . أخذَ يحدثني عن البدايات وصعوباتها ، وأنا أستمعُ له ولا أكاد أفوّت حرفاً مما قال ، ولست أدري هل كان ذاك مني حرصاً أو خوفاً أو مزيجاً بينهما . أذكر أنّ صديقي إلتقط لي صورةً أولَ وصولي ، ووعد بأنه لنْ يرسلها لي إلا مع آخر يومٍ لي ببلد الإبتعاث . العجيب أني أترقبُ تلك الصورة لأني لم ألتقطَ لنفسي غيرها ، ربما لأني أُخِذْتُ وقتها بهمّ آخر.
وصلنا إلى مكان إقامتي في مدينة كامبردج في بيتِ عجوزٍ انجليزية مسلمة من أصول أفريقية ، وما إنْ إستلقيتُ على سريري إلا وتواردت عليّ الخواطرُ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ ، كيف ستكون البداية وكم هي بعيدة تلك النهاية .. استغرقتُ في خواطري حتى استغرقتُ في النوم فلم أستفق إلا بإشراقة أول يومٍ لي هنا .
خرجتُ مع صديقي ليريني طريقي إلى معهد اللغة وإلى مركز المدينة والمسجد ، ثم ودّعني ليعود من حيث جاء وبقيتُ لوحدي بلا صديقٍ ولا لغة . لحظاتٌ صعبة أن تجد نفسك غريبَ الأرضِ والثقافةِ واللغةِ ، وأمامك مهمة بعيدة المدى ترجوا أن تتم .
في الصباح الباكر من اليوم التالي انطلقتُ إلى معهد اللغة وكان في استقبالي موظفة لا احتفظ لها بذكرى طيبة ، يوم أنْ قالت لي ليس لك مكان بالمعهد لأنه لا يقدم برامج للمبتدئين . اضطررتُ لمقابلة مديرة المعهد لأن لدي قبولٌ مسبقٌ منهم ، وقبل أن ألتقيها اتصلتُ بصديقي الذي استقبلني أول مرةٍ فطمأنني ، وأخبرني أنّ مديرة المعهد ستجري لي مقابلة ، وأنّ غالبَ أسئلتهم ستكونُ عن كذا وكذا فأعدد لها جواباً ، وبالفعل حدثَ ما أخبرني به ، ثم أجرَتْ لي اختباراً ثم أخذتني بعدها لمقعد دراستي ، فلا تسلْ عن ماذا انتابني من خواطر وأنا أجلسُ كطالبٍ مبتدئ بعد أن كنتُ أحاضر في الجامعة . ولا تسلْ عنْ بُعْدِ الهوة التي وردت على ذهني بين نيل درجة الدكتوراه والدرس الذي استمع إليه في دراسة اللغة . مهمة صعبة وشعورٌ صعب ولكن شيئاً واحداً ما زلتُ أتذكره جيداً وهو أني لم أضع في ذهني ولو للحظة واحدة أني سأتراجع عنْ ما جئتُ من أجله ، بل كلّ الذي سيطر عليّ أني سأثابر بكل ما استطيع ، ولن أشغل نفسي بأمر النجاح فهو بيد الله وحسب .
دارت الأيام وانقضت مرحلة دراسة اللغة ومرحلة دراسة الماجستير والأمل أن تتم مرحلة الدكتوراه . ولما أتذكر ما بين تلك البداية واليوم أجدُ البونَ شاسعاً والمفارقاتِ كبيرة ولا أكاد أصدق.
إنّ البدايات لنيل أعلى الدرجات مهمة ليست بالسهلة على كل حال ، لكن شيئاً ما أحمدُ الله عليه وهو ما هيأهُ الله لي من إرادة أجدها في نفسي ، وما هيأهُ لي من أصدقاءَ أوفياءَ وجدتهم حولي ، شاركوني الهمّ والاهتمام وقاسموني الحلو والمرّ كما يقال . وهو ما أراه عونا لي في كثير من الأمور .. إرادةٌ في القلب تستمدُ قوتها من رب معك ، وصداقة في الحياة تلتمس بركاتها من أوفياءَ حولك .
ولذا يا صديقي لا تقلق من صعوبات البدايات ولا من بعد النهايات ، فقط ضعْ قدمك في أولِ الطريق الصحيح ، وابدأ رويداً رويداً وخطوة خطوة ، واجعلْ جُلَّ اهتمامك في واجب الوقت الذي أنت فيه لا في أمل المستقبلِ الذي تتطلعُ إليه ، واتخذ لك أصدقاءَ لهم مثلُ همّك وإرادتك تتقاسم معهم السعادة لتكبر وتتقاسم معهم الهمّ ليصْغر .