12 نوفمبر, 2014 - 7:06:34 مساءً
آخر تحديث : 12 نوفمبر, 2014 - 7:06:34 مساءً
صحيفة مبتعث - خالد الشعلان
صحيفة مبتعث – خالد الشعلان
إني أؤمن أنه كما أنّ لكلّ إنسانٍ بصمة أصبعٍ تميّزه عن غيره ، فإن له أيضاً بصمة فكرٍ تميّزه . ولذا فما زلتُ أحاولُ أنْ أعوّدَ نفسي الاستماع إلى رأي كلِّ من يتاح لي سماع رأيه ، لأنه حتماً سينظرُ إلى أيّ أمرٍ من زاوية نظره هو ومن خلال عدسة ثقافته ومنطلقاته بل ونفسيته ورغباته .
في أيامٍ مضت كنتُ تواقاً للتحدث الى الآخرين ، ولكني اليوم أضحيت أستمعُ بقدْر ما أريدُ أنْ أُسْمِع ، ولعلي في الغدِ أستمعُ أكثرَ بكثيرٍ مما أتحدث .
أحدُ أسبابِ ذلك أني تعلمتُ هنا ببلد الإبتعاث أنْ أحاولَ أن أتفهّم وجهة النظر الأخرى أكثرَ من الاهتمام بالرّد عليها أو بإبداء وجهةَ نظرٍ حيالها . بل تعلمتُ أنْ أتأمّلَ في أنماطِ التفكير وأشكاله أكثر مِنْ أنْ أغرق في جزئياتِ الأراءِ الفكريةِ التي لا تنتهي .
رأيتُ أساتذتي في الجامعة هنا لا يقطعون برأي في مسألةٍ مهما كانت ، وكثيراً ما يَرِدُ في أدبياتهم تعددُ الآراء وتنوعُ المدارس ، وكلُّ ما عليهم هو أنْ يحدّد أحدُهم موقعه في الخارطة المنهجية للبحث ، ويبرّرُ رأيه ويتملك ما يدافع به عنه . كنتُ أظنّ أنّ ذلك عندهم مبنيٌ على رقيّ في التعامل واحترامٍ للمخالف ، لكني بعدما بحثتُ في خلفياتِ هذه الثقافة وجدتُ أنّ الأمر في المقام الأول مبنيٌّ على نظرةٍ فلسفيةٍ أعمقَ بكثيرٍ ممّا تصورتُ ، على الأقلّ في الأوساطِ الأكاديميةِ التي ولا شك أنّ لها تأثيرٌ بالغٌ في مجملِ شئون حياة هذه المجتمعات .
فمنْ كانَ يختلفُ في مسألة الوجودِ وهل هو حقيقيّ أم ذهنيّ ؟ ويختلف تبعاً لذلك في طريق المعرفة بين العقل و الحِسّ ؟ فمنْ بابِ أوْلى ألا يقطعَ بأمرٍ فيما دون ذلك .
معرفةُ هذا البعْدِ الفكري المبنيّ على سياقٍ فلسفي يخلقُ مساحةً أوسع لتفهّم الآراء والأفكار ، وبالتالي سيخْلقُ رحابة في التعايش مع أصحابها ، حتى ولو ظل التدافع قائماً بين تلك الرؤى والاتجاهات .
وبقدْرِ مافي ذلك من جهدٍ إلا أنّ الجهدَ الأكبر والمهمة الأصعب – على حدّ علمي – تكمنُ في الحفاظ على ثقافةٍ إسلاميةٍ أصيلةٍ يؤمنُ بها أصحابُها عقيدةً وشريعةً في عالَمٍ مُتقدّمٍ نافذٍ فاتنٍ لا يؤمنُ بثابتٍ ولا مُحكم ، وإنْ آمنَ به ففي زوايا ديرٍ أو صَومعةٍ أو مسجدٍ حيثُ لا سؤالَ بزعمهم وإنما اتباع .
وجدتُ نفسي مرةً أستمعُ إلى مبتعثٍ وهو يحدثنا عن تابوهات المجتمع الشرقي ، وبعدها بيسير استمعتُ إلى مبتعثٍ آخرَ وهو يؤصّلُ لهيمنةِ النصّ الشرعي . وما بين ذلك استمعتُ إلى صوتٍ خافتٍ لمبتعثٍ يشكو من تخلفنا عن قطارِ بناء المعرفة ، ويتلمّسُ في ثنايا فكرٍ مُسْتَلْهَمٍ من وحي السماء ومُتَشَكِّلٍ بعقل البشر إجاباتٍ لأسئلةِ الوجودِ الحائرة وإضاءاتٍ لجدلية سبيل المعرفة ، أملاً في إذكاء لهيبِ ثورةٍ على سلطة المادة المتعجرفة .
إنّ عالم الرؤى والاتجاهات في ذاته ينطوي على معاركَ طاحنةٍ وأمواجٍ عاتيةٍ تغني عن تصارعِ مريديه . ولو أدركوا ذلك لكانوا أشدّ مناعة من أنْ يذهبَ نتيجة صراعاتهم ضحايا أبرياءَ لا ناقة لهم ولا جملَ إلا التقليد والمحاكاة . أمّا وارديه الذين رضوا بأنْ يكونوا مع الخوالفِ أداةً أو مطيّةً فلا يؤبٓهُ بهم فإنّ أثرَهم كمهمّتهم لنْ يدومَ طويلاً .
لقد حسبتُ دراستي ببريطانيا مجرد لغةٍ أكتسبها أو معلوماتٍ أردّدها أو تجارب أجريها ، وما علمتُ أنّ رحلتي هذه كانت مغامرةً جريئة ، رأيتُ فيها الكثير مما حولي وقد تعرّى أو اكتسى من زخرف القول والفعل بقدر قوةِ عدسةِ منظاري الذي أرى من خلاله ، وقد رأيتني مضطراً أنْ أجدّد عدسته في كلّ مرحلةٍ من عمري حتى أملك ما يمكّنني من إبصار الطريق .
صحيفة مبتعث - خالد الشعلان
صحيفة مبتعث – خالد الشعلان
إني أؤمن أنه كما أنّ لكلّ إنسانٍ بصمة أصبعٍ تميّزه عن غيره ، فإن له أيضاً بصمة فكرٍ تميّزه . ولذا فما زلتُ أحاولُ أنْ أعوّدَ نفسي الاستماع إلى رأي كلِّ من يتاح لي سماع رأيه ، لأنه حتماً سينظرُ إلى أيّ أمرٍ من زاوية نظره هو ومن خلال عدسة ثقافته ومنطلقاته بل ونفسيته ورغباته .
في أيامٍ مضت كنتُ تواقاً للتحدث الى الآخرين ، ولكني اليوم أضحيت أستمعُ بقدْر ما أريدُ أنْ أُسْمِع ، ولعلي في الغدِ أستمعُ أكثرَ بكثيرٍ مما أتحدث .
أحدُ أسبابِ ذلك أني تعلمتُ هنا ببلد الإبتعاث أنْ أحاولَ أن أتفهّم وجهة النظر الأخرى أكثرَ من الاهتمام بالرّد عليها أو بإبداء وجهةَ نظرٍ حيالها . بل تعلمتُ أنْ أتأمّلَ في أنماطِ التفكير وأشكاله أكثر مِنْ أنْ أغرق في جزئياتِ الأراءِ الفكريةِ التي لا تنتهي .
رأيتُ أساتذتي في الجامعة هنا لا يقطعون برأي في مسألةٍ مهما كانت ، وكثيراً ما يَرِدُ في أدبياتهم تعددُ الآراء وتنوعُ المدارس ، وكلُّ ما عليهم هو أنْ يحدّد أحدُهم موقعه في الخارطة المنهجية للبحث ، ويبرّرُ رأيه ويتملك ما يدافع به عنه . كنتُ أظنّ أنّ ذلك عندهم مبنيٌ على رقيّ في التعامل واحترامٍ للمخالف ، لكني بعدما بحثتُ في خلفياتِ هذه الثقافة وجدتُ أنّ الأمر في المقام الأول مبنيٌّ على نظرةٍ فلسفيةٍ أعمقَ بكثيرٍ ممّا تصورتُ ، على الأقلّ في الأوساطِ الأكاديميةِ التي ولا شك أنّ لها تأثيرٌ بالغٌ في مجملِ شئون حياة هذه المجتمعات .
فمنْ كانَ يختلفُ في مسألة الوجودِ وهل هو حقيقيّ أم ذهنيّ ؟ ويختلف تبعاً لذلك في طريق المعرفة بين العقل و الحِسّ ؟ فمنْ بابِ أوْلى ألا يقطعَ بأمرٍ فيما دون ذلك .
معرفةُ هذا البعْدِ الفكري المبنيّ على سياقٍ فلسفي يخلقُ مساحةً أوسع لتفهّم الآراء والأفكار ، وبالتالي سيخْلقُ رحابة في التعايش مع أصحابها ، حتى ولو ظل التدافع قائماً بين تلك الرؤى والاتجاهات .
وبقدْرِ مافي ذلك من جهدٍ إلا أنّ الجهدَ الأكبر والمهمة الأصعب – على حدّ علمي – تكمنُ في الحفاظ على ثقافةٍ إسلاميةٍ أصيلةٍ يؤمنُ بها أصحابُها عقيدةً وشريعةً في عالَمٍ مُتقدّمٍ نافذٍ فاتنٍ لا يؤمنُ بثابتٍ ولا مُحكم ، وإنْ آمنَ به ففي زوايا ديرٍ أو صَومعةٍ أو مسجدٍ حيثُ لا سؤالَ بزعمهم وإنما اتباع .
وجدتُ نفسي مرةً أستمعُ إلى مبتعثٍ وهو يحدثنا عن تابوهات المجتمع الشرقي ، وبعدها بيسير استمعتُ إلى مبتعثٍ آخرَ وهو يؤصّلُ لهيمنةِ النصّ الشرعي . وما بين ذلك استمعتُ إلى صوتٍ خافتٍ لمبتعثٍ يشكو من تخلفنا عن قطارِ بناء المعرفة ، ويتلمّسُ في ثنايا فكرٍ مُسْتَلْهَمٍ من وحي السماء ومُتَشَكِّلٍ بعقل البشر إجاباتٍ لأسئلةِ الوجودِ الحائرة وإضاءاتٍ لجدلية سبيل المعرفة ، أملاً في إذكاء لهيبِ ثورةٍ على سلطة المادة المتعجرفة .
إنّ عالم الرؤى والاتجاهات في ذاته ينطوي على معاركَ طاحنةٍ وأمواجٍ عاتيةٍ تغني عن تصارعِ مريديه . ولو أدركوا ذلك لكانوا أشدّ مناعة من أنْ يذهبَ نتيجة صراعاتهم ضحايا أبرياءَ لا ناقة لهم ولا جملَ إلا التقليد والمحاكاة . أمّا وارديه الذين رضوا بأنْ يكونوا مع الخوالفِ أداةً أو مطيّةً فلا يؤبٓهُ بهم فإنّ أثرَهم كمهمّتهم لنْ يدومَ طويلاً .
لقد حسبتُ دراستي ببريطانيا مجرد لغةٍ أكتسبها أو معلوماتٍ أردّدها أو تجارب أجريها ، وما علمتُ أنّ رحلتي هذه كانت مغامرةً جريئة ، رأيتُ فيها الكثير مما حولي وقد تعرّى أو اكتسى من زخرف القول والفعل بقدر قوةِ عدسةِ منظاري الذي أرى من خلاله ، وقد رأيتني مضطراً أنْ أجدّد عدسته في كلّ مرحلةٍ من عمري حتى أملك ما يمكّنني من إبصار الطريق .