الأعضاء الإشتراك و التسجيل

    التسجيل و الدخول عبر

نسيت كلمه المرور
الأقسام
ADs

تابعنا :



الدعوة استغلال في استغلال

9 يوليو, 2014 - 9:57:25 صباحًا آخر تحديث : 9 يوليو, 2014 - 9:57:25 صباحًا

صحيفة مبتعث - هتان عارف

صحيفة مبتعث – هتان عـــــارف

إنه ذلك الطالب الحائز على بعثة, و القادم إلى بلاد العم سام لمواصلة تعليمه و الحصول على درجة البكالوريس. عليه أن ينهي أولا مرحلة اللغة التي بالفعل أنهاها في عام و نصف. و قد حان الدخول للجامعة, و الاختلاط بكل الجنسيات و الشخصيات. لقد اختار تخصص الهندسة المدنية لحبه و شغفه الكبير في هذا العلم التطبيقي الممتع جدا بالنسبة له. كان حماسه طاغيا جدا, بل و فاق الكثير من الطلاب الأمريكان بمشاركاته الدائمة و حرصه الدائم على الإستفسار و طرح السؤال متى ما احتاج إليه.

انقضى الفصل الدراسي الأول, و عاد لوطنه في إجازة أعياد الميلاد بسعادة غامرة تحوم حوله بمعدل يقترب من الكمال و صداقات من هنا و هناك تسأل عنه في الحضور قبل الغياب. انطلق فصل الربيع و بدأت معه معاناة الطالب المتفوق. إنها معاناة انطلقت منذ أيام الثانوية مع مادة الفيزياء التي بنظره مادة لا تفهم, و مادة لا يفهمها سوى المعقدين أمثالها. و ما زاد الأمر شيبا, انه سجل في مواد علمية عديدة. فكر في سحب احدى تلك المواد و لكن, و لأنه لا يعرف الهزيمة, قرر المواصلة. انتهى الفصل الربيعي ليطرح صديقي سؤال… لماذا أدرس مواد لا علاقة لها بتخصصي؟ حسنا, قد تكون محقا و لكن الفيزياء هي أساس كل العلوم التطبيقية الهندسية. لا علاقة لي بذلك. عندما أتخرج سوف لن أبحث عن قوانين نيوتن و الضغط لأصمم هيكل خرساني أو معدني. كل ما أحتاجه بضعة معادلات و برنامج الأوتوكاد لا أكثر. خرج حزينا لكنه عاد بابتسامة كبيرة مفادها أنه سجل في مادة الكيمياء لدراستها في الفصل الصيفي. إنه يعشقها كما يعشق نفسه. إلا أنه تفاجأ بدكتور المادة الذي جعلها معقدة جدا. برغم ذلك, حاول صديقي بكل ما يملك, و تجاوزها بأقل الخسائر. إلا أنه يبدو متذمرا جدا لأنه سوف يدرس الفيزياء التطبيقية و المتقدمة خلال الفصول القادمة. لم يهتم بباقي المواد, بل كان شغله الشاغل أن يتخلص من مواد الفيزياء بأسرع وقت ممكن. مرت الأيام, و جاء فصل الخريف و جاء معه مادة فيزياء 2. الأمور في نظره تبدو أكثر تعقيدا. كره حياته و كره يومي الثلاثاء و الخميس, أيام حصص الفيزياء. إلا أنه تجاوزها بخسائر فادحة في معدله التراكمي وفي حالته النفسية.

ظن صديقي أنه سوف لن يدرس الفيزياء مجددا. إلا أنه كان مخطئا جدا في ذلك. مستشاره الدراسي يخبره بضرورة دراسة ستاتيك, ميكانيكا الموائع, تطبيقات في الثيرموديناميك, دوائر كهربائية, و ديناميكا. غضب صديقي كثيرا و ارتفع صوته و طرح سؤاله المعتاد على مستشاره. لماذا أدرس هذي المواد التي لا علاقة لها بتخصصي؟ أنا سأصبح مهندس مدني و ليس ميكانيكي أو إلكتروني. لأن هذي المواد أساس علوم الهندسة بشكل عام, و ليس أمامك حل سوى دراستها إن أردت أن تكون مهندسا يوما ما. كان جواب مستشاره الدراسي كالصاعقة التي حلت به و الذي راح يلملم بقاياه المتناثرة بين الهُنا و الهُناك. تحدثت معه مجددا, و بات مملا جدا في حديثه و طرحه للسؤال ذاته. أحد الجالسين معنا رد عليه بأنها سياسة الجامعات في أمريكا و في كل أنحاء العالم. الربح المادي هو هدف الجامعة قبل أي شيء أخر, و الطالب هو مصدر الربح لا أكثر. يكمل حديثه: بدلا من أن يتخرج الطالب من الهندسة في عامين أو ثلاثة كحد أقصى, يجب عليه الجلوس في مقعد المحاضرة لخمس أعوام من أجل شهادة و مسمى مهندس. يرد صديقي: إذا الدعوة استغلال في استغلال. يجب أن تُوقف هذي المهزلة!

أي مهزلة تلك التي تتحدث عنها يا صديقي؟. أتفق معك في مسألة الربح المادي بشكل كبير, و لكن دراسة مثل هذي المواد ليس الهدف منها استخدامها بعد التخرج في وظيفتك الهندسية. بل على العكس تماما. إن مثل هذي المواد يجب أن تُدرس و يجب أن يدرسها كل طالب لأنها ببساطة مصدر الطاقة للعقل البشري. سترى كيف سيتغير فكرك و طريقة تفكيرك و نمط حياتك تدريجيا أثناء و بعد تجاوزها. سوف ترى أنك أفضل فيما بعد. تذكر هذا جيدا, و تذكر أن الفيزياء, الرياضيات, و الكيمياء لا قيمة لها في سوق العمل بقدر قيمتها على المستوى الشخصي من ناحية الإدراك و الوعي و التعامل مع الأمور بالمنطق و الحكمة. سخر صديقي من هذي الكلمات, و راح يجهز أرجيلته التي اعتاد عليها مؤخرا.

تمضي الأيام, و تسير الفصول الدراسية سريعة جدا, و الكل منشغل بدراسته و مواده اللا منتهية. و هاهو صديقي يقترب من التخرج. أثناء جلسة أخيرة, تعمدت طرح ذات الموضوع مجددا ليقول لي صدقت فيما قلت. لقد أحببت تلك المواد و أحببت ألغازها اللا اعتيادية التي جعلتني أفكر و أنظر للأشياء بطريقة مختلفة تماما عن تلك التي كنت أنظر إليها في السابق. أصبحت حقا أكثر وعيا و نضجا في كل شيء. لقد تغيرت معادلة كل شيء تقريبا. أستطيع أن أقر الأن بأن الدعوة استغلال في استغلال من كلا الناحيتين. استغلال مادي من قبل الجامعة مقابل شهادة التخرج و الهندسة, و استغلال حياتي من قبل الطالب ليغير نمط حياته و فكره للأفضل. معادلات معقدة جدا تلك التي درستها في كل المواد الفيزيائية, إلا أن قِيمها الحياتية أسمى و أعظم من أي شيء أخر. شكرا يا صديقي لأنك علمتني كيف أنظر للأشياء كما يجب أن تكون.

  • لا يوجد تعليقات

التعليق

عفواً, للتعليق يجب عليك تسجيل الدخول أولاً. إذا كنت لا تملك عضوية, يمكن الإشترك بالنقر هنا إنشاء عضوية

تسجيل عبر
ADs