17 سبتمبر, 2014 - 7:37:41 صباحًا
آخر تحديث : 17 سبتمبر, 2014 - 7:37:41 صباحًا
صحيفة مبتعث - خالد الشعلان
صحيفة مبتعث – خالد الشعلان
إنّ في أخطاء السلوك ما يمكنُ استدراكه من قريب ، أما أخطاءُ الفكر فليس من السهل استدراكها . إنك حين تقرأ رسالة “إلى ولدي” – المشار إاليها سابقاً- تجد فيها لفتات قيّمة في هذا السياق وذلك بمحْضِ حرصِ الوالد على ولده ونصح المجرّب لمن يهمّه أمره من بعده ، فكان مما قال : إن أشدّ ما يقلقني عليك في هذه الأيام وجودك وسْط تياراتٍ تتنازعك وأمواجٍ تتقاذفك وأخشى أن تتغلب عليك فتغرقك ، فلا تنظر كنظرة الطفولة تعرفُ الأشخاصَ ولا تعرف المعاني ، تعرفُ الأبيض ولا تعرف البياض وتعرفُ الأبَ ولا تعرف الأبوة . لقد أطيح اليوم بمبادئ وعقائد وركائز كنا نُؤمن بها ولم يُبْن مكانها شيء فكان الفراغ الذي سبّب القلق والاضطراب . ثم أيضاً من أسباب هذه الحيرة أنكم لم تُدخلوا الآخرة في حساب الحياة فنشأت فيكم أنانية مفرطة وأثرة جامحة ، فلكأني أشعر أن كلَّ فرد منكم يريد أنْ يعيشَ لنفسه فقط ، فهمّه أنْ ينالَ أكبرَ حظّ من كل شيء ولا عليه بعد ذلك ، ولكن لا يغبْ عن بالك أن البيت الذي يعيش كل فرد فيه لنفسه يكون جحيماً .
ليس سراً – يا بني – أنّ الإيمان بالله يملأ فراغ النفس ويوحي بالطمأنينة ، والأنسَ بالدين طبيعة النفس وراحة الروح فإذا سُلبته أحست بالوحشة .
إني حقاً – والحديث للكاتب – لأشفق عليك من زمنك الذي نشأت فيه ، فقد كان زمن من قبلك هادئاً مستقراً تجري شؤونه على وتيرة واحدة ، وأملنا في المستقبل أن يكون زمناً هادئاً مستقراً كذلك . أما زمنك هذا فقلقٌ مضطربٌ حائر ، كفرَ بالقديم ثم لم يجد جديداً يؤمن به .
أي بني لو قلتَ لي أن الإنسان هو مجموعة عاداتٍ لم تكن بعيداً عن الصواب . ولذلك فقوة العادة هي التي تجعل الكثيرين من الآباء يرفضون الآراء الجديدة ، وتجعلُ الشبّان يسرعون في اعتناقها . فلدى الشباب من المرونة ما يؤهلهم لذلك فاحذر الاندفاع في تبنّي الرؤى والأفكار .
أما عن اللذائذ والشهوات فحدثنا الكاتبُ مستحضراً الطبيعة البشرية فينا فكان مما قال : الاعتدالُ في اللذائذ أكبرُ لذة وأقلُّ ألما ، أما الانهماك فيها فكنارِ القشّ تلتهبُ سريعاً وتنطفئ سريعاً . إنّ لكلّ انسانٍ طاقة في ملذاته يقفُ عندها فإذا تعداها انقلبت ألماً ، فلا تبالغ في اللهو والترفِ حتى لا تصبحَ رخواً تنكسرُ لأدنى ملامسةٍ أو هشيماً تذروه الرياح . وتذكر أنه لا منجاة بين قوة المغرياتِ وضعفِ الحصونِ المانعات إلا بتقوية الإرادة وتدريبها على فعل الخير .
أي بني – والحديث للكاتب – إنما خلقت إنساناً ذا جسدٍ وعقلٍ وروحٍ ولكلٍّ غذاؤه ولكلٍ لذته . فليكن لديك مطالعاتك وقراءاتك فوق تخصصك لتثقيف نفسك وتوسيع عقلك . واجتهد أول أمرك أن يكون لك هواية في فرْع من فروع الثقافة العامة بجانب دراستك الخاصة ، تبدأ فيه رويداً رويداً حتى يصبحَ لك عادة لا تستطيع البعد عنها ، عندها ستحبُّ أن تصادق من قويتْ ثقافته ونضجَ تفكيره ونعمت هذه الصداقة . وتصوّر أنك ستعيش أربعين أو خمسين عاماً بعد ذلك فماذا ستجني في هذه السنين ، إنّ الوقتَ مادة خامة للحياة وليس عدوٌ ليقاتل”.
صحيفة مبتعث - خالد الشعلان
صحيفة مبتعث – خالد الشعلان
إنّ في أخطاء السلوك ما يمكنُ استدراكه من قريب ، أما أخطاءُ الفكر فليس من السهل استدراكها . إنك حين تقرأ رسالة “إلى ولدي” – المشار إاليها سابقاً- تجد فيها لفتات قيّمة في هذا السياق وذلك بمحْضِ حرصِ الوالد على ولده ونصح المجرّب لمن يهمّه أمره من بعده ، فكان مما قال : إن أشدّ ما يقلقني عليك في هذه الأيام وجودك وسْط تياراتٍ تتنازعك وأمواجٍ تتقاذفك وأخشى أن تتغلب عليك فتغرقك ، فلا تنظر كنظرة الطفولة تعرفُ الأشخاصَ ولا تعرف المعاني ، تعرفُ الأبيض ولا تعرف البياض وتعرفُ الأبَ ولا تعرف الأبوة . لقد أطيح اليوم بمبادئ وعقائد وركائز كنا نُؤمن بها ولم يُبْن مكانها شيء فكان الفراغ الذي سبّب القلق والاضطراب . ثم أيضاً من أسباب هذه الحيرة أنكم لم تُدخلوا الآخرة في حساب الحياة فنشأت فيكم أنانية مفرطة وأثرة جامحة ، فلكأني أشعر أن كلَّ فرد منكم يريد أنْ يعيشَ لنفسه فقط ، فهمّه أنْ ينالَ أكبرَ حظّ من كل شيء ولا عليه بعد ذلك ، ولكن لا يغبْ عن بالك أن البيت الذي يعيش كل فرد فيه لنفسه يكون جحيماً .
ليس سراً – يا بني – أنّ الإيمان بالله يملأ فراغ النفس ويوحي بالطمأنينة ، والأنسَ بالدين طبيعة النفس وراحة الروح فإذا سُلبته أحست بالوحشة .
إني حقاً – والحديث للكاتب – لأشفق عليك من زمنك الذي نشأت فيه ، فقد كان زمن من قبلك هادئاً مستقراً تجري شؤونه على وتيرة واحدة ، وأملنا في المستقبل أن يكون زمناً هادئاً مستقراً كذلك . أما زمنك هذا فقلقٌ مضطربٌ حائر ، كفرَ بالقديم ثم لم يجد جديداً يؤمن به .
أي بني لو قلتَ لي أن الإنسان هو مجموعة عاداتٍ لم تكن بعيداً عن الصواب . ولذلك فقوة العادة هي التي تجعل الكثيرين من الآباء يرفضون الآراء الجديدة ، وتجعلُ الشبّان يسرعون في اعتناقها . فلدى الشباب من المرونة ما يؤهلهم لذلك فاحذر الاندفاع في تبنّي الرؤى والأفكار .
أما عن اللذائذ والشهوات فحدثنا الكاتبُ مستحضراً الطبيعة البشرية فينا فكان مما قال : الاعتدالُ في اللذائذ أكبرُ لذة وأقلُّ ألما ، أما الانهماك فيها فكنارِ القشّ تلتهبُ سريعاً وتنطفئ سريعاً . إنّ لكلّ انسانٍ طاقة في ملذاته يقفُ عندها فإذا تعداها انقلبت ألماً ، فلا تبالغ في اللهو والترفِ حتى لا تصبحَ رخواً تنكسرُ لأدنى ملامسةٍ أو هشيماً تذروه الرياح . وتذكر أنه لا منجاة بين قوة المغرياتِ وضعفِ الحصونِ المانعات إلا بتقوية الإرادة وتدريبها على فعل الخير .
أي بني – والحديث للكاتب – إنما خلقت إنساناً ذا جسدٍ وعقلٍ وروحٍ ولكلٍّ غذاؤه ولكلٍ لذته . فليكن لديك مطالعاتك وقراءاتك فوق تخصصك لتثقيف نفسك وتوسيع عقلك . واجتهد أول أمرك أن يكون لك هواية في فرْع من فروع الثقافة العامة بجانب دراستك الخاصة ، تبدأ فيه رويداً رويداً حتى يصبحَ لك عادة لا تستطيع البعد عنها ، عندها ستحبُّ أن تصادق من قويتْ ثقافته ونضجَ تفكيره ونعمت هذه الصداقة . وتصوّر أنك ستعيش أربعين أو خمسين عاماً بعد ذلك فماذا ستجني في هذه السنين ، إنّ الوقتَ مادة خامة للحياة وليس عدوٌ ليقاتل”.