ما بين صفحتين

ما بين بدايةِ أي قصةٍ ونهايتها صفحاتٌ وصفحاتٌ ، إلا أنّ الصفحتين الأولى والأخيرة هما مدار التأمل . ولو كان بإمكاننا قراءة الصفحة الأخيرة قبل تحققها لأي قصةٍ نعيشُ أحداثها لتغيَّرتْ وجهتنا واختلفَ مسارنا وتبدَّلتْ مواقفنا ، ولكان في ذلك حِفظٌ للوقتِ والجُهدِ والمالِ ، ونأيٌ عَنْ نَدَمٍ نحنُ في غِنَى عنه أو استبشارٌ بفألٍ نحن في حاجة له . ذلك أنّ لهذا الكون نواميسَ يسير بها وسنناً لا يخرج عنها ، مقدماتٌ لها نهايات وأسبابٌ لها نتائجٌ ومدخلاتٌ لها مُخْرَجَاتٌ .

ولِتَكْتَمِلَ الصُّورةُ فإنَّ قراءةَ الصَّفحَة الأولى أيضاً لأيِّ حَدَثٍ يمُرُّ بنا بعدَ أن تُطْوى صَفَحَاتُهُ من الأهميةِ بمكانٍ ، ومَنْ أُوتيَ مَلكَةَ تحديدِ معالمِ هاتين الصفحتين ، وَمِنْ ثَمَّ قراءة خُيُوطِ الرَّبْطِ بينهما فهو الخَبيرُ المُحَنَّك . يذكر أن قبل ما يَزيدُ عنْ ثلاثينَ عامًا قيل لفتىً مَوْهوبٍ إنهُ السَّاحرُ ؛ لبيانه وحُسْنِ مَنْطِقِهِ ؛ واليومَ يسْتمعُ له آلاف البَـشرِ ولا غَرْو ، . وآخَرُ كتَبَ في صِغَرِهِ سأكونُ دكتوراً في قُصَاصَةٍ صَغيرةٍ، هي اليوم في زاويةٍ مِنْ مَكتَبِهِ بَعْدِ أنْ أصْبَحَ بروفسورًا.

في الصَّفْحَةِ الأخيرةِ والصَّفْحَةِ الأولى للأحداثِ التي تمرُّ بنا ما يُغْنِي عنْ كثيرٍ ممَّا بينهما لو أحسنَّا القراءة. وحياةُ أحدِنا كتابٌ نقرأُ فيه الصفحةَ الأولى، ونتنبَّأُ بقراءةِ صَفحتِه الأخيرةِ ؛ وندعُ تصْديقَ ذلك لمَنْ يأتي من بعد.