3 مايو, 2015 - 6:17:23 مساءً
آخر تحديث : 3 مايو, 2015 - 6:17:23 مساءً
صحيفة مبتعث - علي الغامدي
صحيفة مبتعث _ علي الغامدي
AliGhamdi2@
هو مقال لا أقصد به أحداً بعينه فقد سبق أن توعدّتُ أصابعي بالبتر إن أشارت إلى أحدٍ بسوء . لكنني هنا أناقش ظاهرةً متفشية في مجتمعنا ارتبطت بنا حتى أصبحت جزء من ثقافتنا نُعرف بها الى جانب العمامة العربية. فلا تكاد تدخل إلى مكان ما ، مطعماً كان أو مقهى أو حتى لو كان مكاناً يستوجب الهدوء كالمكتبات مثلاً إلاّ وتجد هُناك من يتجادل من بني جلدتنا. قومٌ يتنفّسون الجدل قبل الهواء ، يتجادلون في ما يعلمون وما لايعلمون حتى لم يعد يعلم العالَم ماذا يعلمون وبماذا يهتمون. ولو فتحتنا موضوعاً لاعلاقة له بالبشرية كتأثيراللغة الفرنسية على الإحتباس الحراري لناقشوه ولأسرفوا فيه بل ولتجادلوا ولعلت أصواتهم. والمبالغة هنا بمستوى ارتفاع أصوات المتجادلين.
ففي مجالسنا يتحدثون عن السياسة كما يتحدثون عن الرياضة والإقتصاد والطب والشعر وليس فيهم من يفقه فيها شيئا إلا من رحم ربي. هذا يحدث غالباً قبل وجبة العشاء وهم جياع فإذا شبعوا تكلموا عن التعدّد و أصبحوا إخوة متحابين في الله تغشاهم الطمئنينة والسكينة.
لا غرابة أن تقضي ليلة كاملة تستمع فيها لاثنين يتجادلان في مجلس يحضر فيه الكثيرممن لا ناقة لهم ولاجمل في هذا النقاش وكأنهم ينظرون لحلبة ملاكمة وقد يتعدى الأمر ذلك فيصبح النقاش سِجالا يحاول كل طرف أن يتشبث بخيوط النصر فيسدد أكبر قدر ممكن من الضربات الموجعة للآخر وقد يمتد القتال إلى مجالات أخرى فيحاول كل منهما تحقيق انتصار شخصي لضمه لسجل انتصاراته (الغير موجودة).
. قد يكون الحديث شيقا في البداية لكنه يصبح ممل ومضيعة للوقت إن طال أو تكرر.
في حياتي لم ألاحظ هذه الظاهرة في المجتمع الإنجليزي – الغير ملائكي – وهذا لا يعني عدم وجودها ولكنها ليست بالكثرة التي نعاني منها. رغم أنهم يتصفون بحدة الطباع تجاه بعض القضايا إلا أن للأماكن حرمتها ، فالهدوء عادة يسدل أستاره على حواراتهم لأنهم لايهتمون بأمور لايجيدونها ولاتعنيهم كما أنهم يقدرون أن للآخرين حق في هدوء المكان.
صحيح أننا أحرار في اختيار المواضيع التي نريد مناقشتها ولكن يجب التحلي بقواعد الحوار الهادف وأساسياته. ويجب أن ندرك أن الهدف من الحوار هو الوصول لحقيقة بين رأيين مختلفين أولاً. ويجب أن ننطلق من نقاط اتفاقنا والتقائنا ونسير باتجاه واحد حتى نصل إلى نقطة الإختلاف فيبدأ كلٌ بطرح فكرته. كما يجب أن ننصت للآخر حتى يفرغ من كلامه ليتمكن من إيصال فكرته كامله لا أن نستمع لأنصاف جُمل ونَئِد الأفكار قبل اكتمالها. يجب أن يكون النقد هادئاً راقيا يقدمه مُحب ، وكذلك تقبل النقد يجب أن يُستقبل بصدر رحب لا يلوّثه سوء الظن بنوايا الناقد.
شاهدت لقاءً تلفزونيا لأحد أعظم علماء المسلمين في العصر الحديث البروفيسور المصري صبري الدمرداش وقد خصص حلقة كاملة للرد العلمي على أحد أشهرنظريات العصر الحديث وهي نظرية دارون في أصل تكوين الإنسان. هذه النظرية أصدرت ضجة حول العالم حيث اعتقد دارون أن الإنسان ينحدر من سلالة القردة وأخذ العلماء يتجاذبون أطراف هذه النظرية بين مؤيد ومُعارض حيث بنى الملاحدة اعتقادهم عليها وكان مرجعاً قوياً يعودون إليه. في هذا اللقاء التلفزيوني سأل مقدم البرنامج الدكتور صبري وقال : من هو دارون ؟
فرد د.صبري: هو عالِم ابن طبيب ابن طبيب ابن طبيب ، كان حسن الخلق ذكياً عبقرياً ، فقاطعه مُقدم البرنامج وقال: يادكتور أنت أتيت لتمدح دارون أولتنقض نظرياته ؟ فقال أنا هنا لأقول الحقيقة ويجب أن أُنصفه. فأكلمل د.صبري: كان دارون ( شديد الملاحظة لكنه أخطأ في التفسير) فكانت خطؤه فادحاً.ا.ه
تعجبتُ من تعامل د.صبري مع دارون رغم أنه مرجع الملحدين فلم يسبّه ولم يشتمه ولم ينتقِص من شخصيته بل احترمه رغم الخطأ الفادح. فقُلت هذه هي أخلاق العلماء فهم يناقشون الأفكار ولا يتطرّقون للأشخاص ، فالأشخاص يموتون و أفكارهم تبقى حية بعدهم.
وكذلك هي أخلاق الأنبياء كما أمر الله سبحانه وتعالى موسى وهارون ( وقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى). هكذا كان التعامل مع فرعون أشد الناس ظلماً وصداً عن عبادة الله فكيف بمن يناقشك بأمور دنيوية بسيطة.
التحلي بهذه المبادئ واحترام الرأي الآخر ضرورة حتى لو كنت متخصصا وملمّا بالموضوع. وقد تابعت اثنين من المتخصصين بالسياسة كلاهما حصل على أعلى الدرجات في هذا المجال وكلاهما يحلل الأحداث السياسية اليومية من حولنا. أحدهما رزينٌ هادئ لا ينطِق إلا بما يتعلق بالسياسة ولا يزيد على ذلك ، أما الآخر فما ان يفرغ من تحليلاته إلا ويتبعها بتفسير للنوايا فيقول ذاك عميل وهذا خائن و منافق. والنتيجة أن القنوات الإخبارية والبرامج السياسية المحايدة والجامعات تتسابق لاستضافة الأول أما الآخر فلا يهتم بكلامه إلا العامة أما الخبراء فلا يُلقون له بالاً لاعتقادهم بأن عواطفه هي من تحركه أكثر من الحقائق. ثم إن خطأ الأول أقل ضرراً فتراجُعُه وتصحيحه للمعلومة سهل ليس كمن يسئ الظن بمسلم ويشتمه لمجرد اختلافه عنه عندها يصعب تراجعه عن الخطأ.
في الآونة الأخيرة توسع هذا الجدل حتى طال النخبة فتكوّنت أحزاب وتيارات في الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي يقضي أفرادها جلّ وقته لتتبع عثرات الآخر، والضحية هي مصالح المجتمع.
وأصبحت الحقيقة بينهم كأنها فتاة هزيلة يتيمة يتقاتلون أيهم أحق بكفالتها فضاعت الفتاة من بينهم فلم يكفلوها ولم يوقفوا القتال.
صحيفة مبتعث - علي الغامدي
صحيفة مبتعث _ علي الغامدي
AliGhamdi2@
هو مقال لا أقصد به أحداً بعينه فقد سبق أن توعدّتُ أصابعي بالبتر إن أشارت إلى أحدٍ بسوء . لكنني هنا أناقش ظاهرةً متفشية في مجتمعنا ارتبطت بنا حتى أصبحت جزء من ثقافتنا نُعرف بها الى جانب العمامة العربية. فلا تكاد تدخل إلى مكان ما ، مطعماً كان أو مقهى أو حتى لو كان مكاناً يستوجب الهدوء كالمكتبات مثلاً إلاّ وتجد هُناك من يتجادل من بني جلدتنا. قومٌ يتنفّسون الجدل قبل الهواء ، يتجادلون في ما يعلمون وما لايعلمون حتى لم يعد يعلم العالَم ماذا يعلمون وبماذا يهتمون. ولو فتحتنا موضوعاً لاعلاقة له بالبشرية كتأثيراللغة الفرنسية على الإحتباس الحراري لناقشوه ولأسرفوا فيه بل ولتجادلوا ولعلت أصواتهم. والمبالغة هنا بمستوى ارتفاع أصوات المتجادلين.
ففي مجالسنا يتحدثون عن السياسة كما يتحدثون عن الرياضة والإقتصاد والطب والشعر وليس فيهم من يفقه فيها شيئا إلا من رحم ربي. هذا يحدث غالباً قبل وجبة العشاء وهم جياع فإذا شبعوا تكلموا عن التعدّد و أصبحوا إخوة متحابين في الله تغشاهم الطمئنينة والسكينة.
لا غرابة أن تقضي ليلة كاملة تستمع فيها لاثنين يتجادلان في مجلس يحضر فيه الكثيرممن لا ناقة لهم ولاجمل في هذا النقاش وكأنهم ينظرون لحلبة ملاكمة وقد يتعدى الأمر ذلك فيصبح النقاش سِجالا يحاول كل طرف أن يتشبث بخيوط النصر فيسدد أكبر قدر ممكن من الضربات الموجعة للآخر وقد يمتد القتال إلى مجالات أخرى فيحاول كل منهما تحقيق انتصار شخصي لضمه لسجل انتصاراته (الغير موجودة).
. قد يكون الحديث شيقا في البداية لكنه يصبح ممل ومضيعة للوقت إن طال أو تكرر.
في حياتي لم ألاحظ هذه الظاهرة في المجتمع الإنجليزي – الغير ملائكي – وهذا لا يعني عدم وجودها ولكنها ليست بالكثرة التي نعاني منها. رغم أنهم يتصفون بحدة الطباع تجاه بعض القضايا إلا أن للأماكن حرمتها ، فالهدوء عادة يسدل أستاره على حواراتهم لأنهم لايهتمون بأمور لايجيدونها ولاتعنيهم كما أنهم يقدرون أن للآخرين حق في هدوء المكان.
صحيح أننا أحرار في اختيار المواضيع التي نريد مناقشتها ولكن يجب التحلي بقواعد الحوار الهادف وأساسياته. ويجب أن ندرك أن الهدف من الحوار هو الوصول لحقيقة بين رأيين مختلفين أولاً. ويجب أن ننطلق من نقاط اتفاقنا والتقائنا ونسير باتجاه واحد حتى نصل إلى نقطة الإختلاف فيبدأ كلٌ بطرح فكرته. كما يجب أن ننصت للآخر حتى يفرغ من كلامه ليتمكن من إيصال فكرته كامله لا أن نستمع لأنصاف جُمل ونَئِد الأفكار قبل اكتمالها. يجب أن يكون النقد هادئاً راقيا يقدمه مُحب ، وكذلك تقبل النقد يجب أن يُستقبل بصدر رحب لا يلوّثه سوء الظن بنوايا الناقد.
شاهدت لقاءً تلفزونيا لأحد أعظم علماء المسلمين في العصر الحديث البروفيسور المصري صبري الدمرداش وقد خصص حلقة كاملة للرد العلمي على أحد أشهرنظريات العصر الحديث وهي نظرية دارون في أصل تكوين الإنسان. هذه النظرية أصدرت ضجة حول العالم حيث اعتقد دارون أن الإنسان ينحدر من سلالة القردة وأخذ العلماء يتجاذبون أطراف هذه النظرية بين مؤيد ومُعارض حيث بنى الملاحدة اعتقادهم عليها وكان مرجعاً قوياً يعودون إليه. في هذا اللقاء التلفزيوني سأل مقدم البرنامج الدكتور صبري وقال : من هو دارون ؟
فرد د.صبري: هو عالِم ابن طبيب ابن طبيب ابن طبيب ، كان حسن الخلق ذكياً عبقرياً ، فقاطعه مُقدم البرنامج وقال: يادكتور أنت أتيت لتمدح دارون أولتنقض نظرياته ؟ فقال أنا هنا لأقول الحقيقة ويجب أن أُنصفه. فأكلمل د.صبري: كان دارون ( شديد الملاحظة لكنه أخطأ في التفسير) فكانت خطؤه فادحاً.ا.ه
تعجبتُ من تعامل د.صبري مع دارون رغم أنه مرجع الملحدين فلم يسبّه ولم يشتمه ولم ينتقِص من شخصيته بل احترمه رغم الخطأ الفادح. فقُلت هذه هي أخلاق العلماء فهم يناقشون الأفكار ولا يتطرّقون للأشخاص ، فالأشخاص يموتون و أفكارهم تبقى حية بعدهم.
وكذلك هي أخلاق الأنبياء كما أمر الله سبحانه وتعالى موسى وهارون ( وقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى). هكذا كان التعامل مع فرعون أشد الناس ظلماً وصداً عن عبادة الله فكيف بمن يناقشك بأمور دنيوية بسيطة.
التحلي بهذه المبادئ واحترام الرأي الآخر ضرورة حتى لو كنت متخصصا وملمّا بالموضوع. وقد تابعت اثنين من المتخصصين بالسياسة كلاهما حصل على أعلى الدرجات في هذا المجال وكلاهما يحلل الأحداث السياسية اليومية من حولنا. أحدهما رزينٌ هادئ لا ينطِق إلا بما يتعلق بالسياسة ولا يزيد على ذلك ، أما الآخر فما ان يفرغ من تحليلاته إلا ويتبعها بتفسير للنوايا فيقول ذاك عميل وهذا خائن و منافق. والنتيجة أن القنوات الإخبارية والبرامج السياسية المحايدة والجامعات تتسابق لاستضافة الأول أما الآخر فلا يهتم بكلامه إلا العامة أما الخبراء فلا يُلقون له بالاً لاعتقادهم بأن عواطفه هي من تحركه أكثر من الحقائق. ثم إن خطأ الأول أقل ضرراً فتراجُعُه وتصحيحه للمعلومة سهل ليس كمن يسئ الظن بمسلم ويشتمه لمجرد اختلافه عنه عندها يصعب تراجعه عن الخطأ.
في الآونة الأخيرة توسع هذا الجدل حتى طال النخبة فتكوّنت أحزاب وتيارات في الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي يقضي أفرادها جلّ وقته لتتبع عثرات الآخر، والضحية هي مصالح المجتمع.
وأصبحت الحقيقة بينهم كأنها فتاة هزيلة يتيمة يتقاتلون أيهم أحق بكفالتها فضاعت الفتاة من بينهم فلم يكفلوها ولم يوقفوا القتال.