مذكرات مبتعث (7) مبتعثون من ذهب

November 6th, 2010, 08:46 AM

الذهب معدن ثمين يجلب لك الترف، الجميل فيه أنه لا يصدأ، يقال إن قناع توت عنخ آمون – أحد الفراعنة- استخرج عام 1922 ولاحظوا بقاء الذهب لامعاً ولم يصدأ، " أنت ذهب" تقولها مجازاً لشخص يعجبك منبعه وأخلاقه وطريقة تعامله.
قبل ذهابي لكندا كنت " أهوجس" مع نفسي حول المبتعثين، كما يفكر أهل السعودية الآن، كيف هم المبتعثون؟ هل تغيروا؟ هل غيَّروا؟ هل الابتعاث وجد لتدمير الأخلاق ؟ هل الابتعاث بداية انطلاقه نهضة جديدة تعتمد على العلم ومواكبة الأمم؟ هذه الأسئلة تدور في أذهان كثير من لم يقف على واقع المبتعثين عن قرب ..

عندما وصلت إلى فانكوفر .. وفي أول يوم دراسي .. اصطحبني ناصر الحماد في فترة الراحة بين الدروس إلى إنهاء بعض الإجراءات الهامة .. أردت أن استخرج رقم جوال كندي لكن ضاق بنا الوقت وعدنا إلى المدرسة مرة أخرى .. ونحن في السلم الكهربائي خدعني ناصر .. قال امسك جوالي – وكان بيده – وكأنه يريد أن يبحث عن شيء ما حوله .. أخذت جواله .. ثم حلف ألا أرجعه إلا بعد حصولي على شريحة جوالي .. وبعد تمنع مني قال " عليَّ الطلاق أنك تأخذه اليوم " لا أحب هذه الكلمة .. وأكره الإصرار باليمين .. خشيت أن أسيء لرجل أحسن إلي ولم أتعرف عليه إلا هذا اليوم .. وخفت أن أجرم بحق زوجته المسكينة التي لا ذنب لها إن لم آخذ الجوال .. حملت جواله مجاملة وإن لم أستخدمه لأن جوالي السعودي لم يزل يعمل .. من الطرائف أن ناصر – صاحبي- أعزباً ولم يتزوج .. لكنها من الإرث العائلي الذي لم يستطع التخلص منه .. أعان الله زوجة المستقبل يا ناصر قد نالها من الطلاق الكثير قبل تقابل وجهك .. في الغربة عرفنا معنى الإخوة الإسلامية التي كنا نسمع عنها وندرِّسها أحيانا في بلادنا .. لم نشعر بحقيقتها إلا هنا .. نتعامل مع بعضنا كالأسرة الواحدة .. إن احتاج أحدنا شيئاً تعاون الجميع لخدمته .. تزوج بعض المبتعثين هنا ..رزق عدد من الأصدقاء بأطفال .. مرض عدد من المبتعثين .. توفي عندنا اثنان من المبتعثين رحمهما الله بسبب حداث سير – تحدثت عنه الصحف السعودية- .. وفي كل الحالات تجد تكاتفاً وتفانيا من المبتعثين والمبتعثات لم نشاهده أبداً في حياتنا .. في ذات يوم ذهبت لكندي مسلم من أصل أفغاني لأشتري بعض الأغراض التي أقاوم بها شتاء كندا .. تفاجأت أن الرجل طلب مني مبلغاً غير المبلغ المكتوب على الملابس .. أقل منه بكثير .. ولم يكن هناك تخفيض عليها .. قلت له لماذا هذا المبلغ وهو أقل بكثير من السعر المكتوب .. قال كلمة والله هزتني من الأعماق .. قال وبصوت مرتفع ملؤه الحب " أنت أخي" .. صدقوني الكلمة التي خرجت منه أول مرة أتذوقها بحياتي ..

رأيت في الأسبوع الأول عمل جماعي تعاوني تطوعي على مستوى عالٍ من المبادرة واحتساب الأجر، هذا يرفع الطاولة، والآخر يضع الكراسي- الحمراء ذات اليد البيجية- على بعضها ويحملها، وذاك يفرش السجاد، والآخر يجهز الصوتيات، كل هذا الجهد من المبتعثين لتهيئة مصلى الجمعة في قاعاتهم الدراسية، استطاع الطلاب إقناع معهد (إي إل إس) بأداء صلاة الجمعة في الدور الثامن، يتناوب الشباب على الخطبة فتارة تركي الشهري، وتارة محدثكم، وتارة عبدالله سلام صاحب الصوت الساحر، الذي طلبت منه المشرفة على غرفة الكمبيوتر المجاورة للمصلى أن يسجل الأذان بصوته لها، وكنت ألمح لها وقد تجاوزت الستين إن أرادت أن أسجل لها صوتي لكنها لم تتحمس كثيرا .. وإن ذكرت مصلى المعهد فلا بد من ذكر محمد البرقي، الذي كان له دور بارز في القيام عليه، وقد يضحي ببعض وقت دراسته ووقت زوجته لأجل إحضار متطلبات للمصلى، ذهب البرقي وتسلم المهام مصعب بن عمير العتيبي، أحب أكتب اسمه كاملاً، فاسمه يذكرني بسفير الإسلام الأول رضي الله عنه، وإن كان يكنُّ لي العداء أحيانا وكل ذي نعمة محسود .. الشباب الذين عملوا ويعملون كثر أعجز عن ذكرهم كلهم ولكن الله يعلمهم.

وفي أول مرة ادخل مصلى الداون تاون في شارع قرانفل، شاهدت شباباً أعجز عن وصفهم، قد تنظر لأحدهم شعره طويل جدا، وهيئته لا يمكن أن يمشي بها في شوارع الرياض، وعندما تحدثه وتشاهد تصرفاته توقن أننا فيه خير كبير، في ذات المصلى وفي الدور العلوي تحديداً أقيم مشروع الإفطار في رمضان، وفي ليلة يمتلئ المصلى في صلاة التراويح .. على الرغم من طول النهار وقصر الليل وظروف الدراسة والابتعاث، وفي كل ليلة تشاهد الشباب يعدون الطعام .. يجهزون السُفر .. يوزعون الإفطار .. بل وتنافس كبير على من يحمل الملَّاس – ملقعة كبيرة جدا - لتوزيع الأرز واللحم على الصائمين .. في ذات مساء يأتيك شاب لم يبلغ العشرين من عمره يعرِّف بشاب مكسيكي يريد أن يسلم، وبعد إسلامه يتواصى زملاؤه بالقرب منه والإحسان إليه وتعليمه الصلاة، وبعدها بأيام يأتي المكسيكي بآخر يريد أن يسلم، لا تتصور فرحة الشباب حينها .. تأتيك قشعريرة عندما تسمع نطقهم بالشهادتين وتكبير المبتعثين بصوت واحد.. إنها فرحة لا تنسى أسأل الله أن لا يحرم من كان له جهد أجرها ..

من الصعوبات التي واجهتني في البدايات وجود طالبات سعوديات في نفس الفصل، كنت حريص على الابتعاد، وهن أشد حياءً وبعداً، بعضهن متمسكات بالنقاب، ولا يلتفتن إلى من يوصيهن بكشف الوجه، ويرين ذلك عبادة يتقربن بها إلى الله، ربما تبتلى بعض المبتعثات بدولة أو مدينة لا تسمح بالنقاب، لكن مقاطعة برتش كولومبيا لا تمانع ذلك، ومن المبتعثات من كشفت وجهها ربما لضغوط أو أشياء أخرى لكنهن حريصات على لبس الفضفاض، وتغطية الرأس، والبعد عن التزين والتعطر، لكن ما يرفع ضغط محدثكم أن تغطي المبتعثة رأسها وتلبس الجنز الضيق، وتبرز مفاتنها، وتتمكيج وتتعطر وكأنها في حفلة زواج، يمكن من النقص الذي تشعر به، فنحن في بلاد خلق الله فيهم جمال لا يحتاجون للمساحيق معه، ربما لو تمكيجت الواحدة منهن لشوهت نفسها .. من خلال ما رأيت أن المبتعثات أكثر حصراً على المحافظة والتدين والاجتهاد في العلم والتحصيل، وعند بعضهن الهم في التواصل مع غير المسلمات ومتابعة المسلمات الجدد .. نسيت أن أحمد الله أن سيرتي حسنة مع الأخوات الفاضلات اللاتي درسن معي لأن أكثرهن أصبحن صاحبات أم خالد، مما زاد من شعبيتي في الوسط الإقليمي

القادم إن شاء الله ..
ومبتعثون من إسفنج

• نشر عبر تويتر
• نشر عبر فيسبوك
• نشر عبر جوجل