(قصتي) - الجزء الرابع "الأخير"
عبدالله باكير - جامعة الاباما - توسكالوسا
بعد نجاح العملية ولله الحمد بقي ولدي تحت الملاحظة المشددة عدة أيام للتأكد من أنه لا يوجد مضاعفات بعد العملية، وشيئاً فشيئاً بدأوا ينزعون عنه بعض الأنابيب وإبر المحاليل، وبدا بأنه قد بدأ يتجاوب للمغذيات وينمو قليلاً، وطمأننا الطبيب حينها بأنه ربما سيبدأ بإعطائه الحليب خلال فترة قريبة. لقد استلزم بقاؤه في المستشفى مدةً تزيد عن السبعين يوماً لمراقبة مؤشراته الحيوية ومعالجة باقي المشاكل الصحية التي كان يعاني منها كالصفار وعدم استقرار درجة حرارة الجسم، بالاضافة لمراقبة شريانه الأبهر للتأكد مع عدم وجود ضرورة ملحة لإجراء عملية أخرى، وخلال تلك الفترة كنا نذهب أنا وأبنائي لدراستنا يومياً متنقلين بين المدينتين.
وزارة التعليم العالي ومعركة ذات الثماني
بدأنا نشعر أنا وزوجتي بأن أكبر مخاوفنا قد بدأت بالزوال، وأن الأيام القادمة ستحمل في طياتها ما يدعوا للتفاؤل، ولكن سرعان ما تلاشى هذا الشعور في اليوم الرابع بعد العملية عندما وصلتني رسالة من وزارة التعليم العالي على بريدي الإلكتروني يخبرونني فيها برفض طلبي للمرة الثانية نظراً لطي قيدي كمبتعث سابق، عندها وللأسف عادت بي الذاكرة لعام 2007م لأتذكر التعقيد غير المبرر والإهمال الذي عانينا منه أنا وزوجتي خلال تعاملنا مع الملحقية في ماليزيا ومع وزارة التعليم العالي بالرياض، وبدا الأمر شبه مؤكد بأننا سنخوض هذه المرة عدة جولات من المواجهات مع وزارة التعليم العالي لنحصل على حقنا.
عندما كنا في المرة السابقة مبتعثين لدولة ماليزيا لم يكن هناك سبب يدعونا للتمسك بالبقاء في تلك البلاد، فلم تكن البيئة التعليمية بماليزيا متهيئة لاستقبال الطلبة الدوليين وبالتالي لم تكن ملائمة لي أو لزوجتي، ولذا فبعد فشل جميع محاولاتنا مع الوزارة والملحقية لتحويل بعثتينا لبريطانيا قررنا المضي قدماً في حياتنا وبدأنا من جديد في أرض الوطن. ولكن هذه المرة الأمر مختلف بشكل كلي، فبقاؤنا في أمريكا يمثل أولوية قصوى ليحصل ابني على العناية الطبية اللازمة والتي مع الأسف لا تتوفر في مستشفياتنا حتى في أفضل المستشفيات الخاصة منها، فوضعه الصحي مازال مقلقاً وأجمع الأطباء المعالجين له بضرورة بقائه في أمريكا لسنواته الثلاث الأولى على الأقل. كما أنني قبل اتخاذي لقرار مجيئنا لأمريكا قد استفسرت عن وضعي من وزارة التعليم العالي خلال ملتقى الدارسين على الحساب الخاص واخبرتهم بالقصة كاملة لبعثتنا لماليزيا بل وأعطيتهم هويتي والتي بموجب استعلام موظف الوزارة عنها في النظام أفادني بأنه لا يوجد أي مشكلة في إلحاقي بالبعثة بعد أربعة أشهر من بدئي لدراسة اللغة على حسابي الخاص، ولقد أحسست وقتها بغضب عارم بسبب هذا الأمر والذي أقل ما يمكن أن أقول عنه أنه استهتار من قبل الموظف، فكيف يتم إعطائي معلومات خاطئة؟! وكيف ترد اللجنة على طلبي الأول للدراسة على الحساب الخاص بمطالبتي بتقديم طلب إعادة إلحاق بعضوية البعثة؟! وعندما تقدمت بطلبي لإعادة إلحاقي بالبعثة أتاني الرفض ثانياً بحجة طي قيدي؟! إلهذا الحد لا يوجد مصداقية أو إحساس بقيمة الوقت والمال.
حاولت الهدوء لأفكر في خياراتي وكيف أوجد حلاً لهذه المشكلة والتي على ما يبدو بأنها كانت عويصة جداً، فلقد كنت أرزح وقتها تحت وطأة ضغط نفسي شديد حيث لم يمض على قدومي لأمريكا سوى بضعة أسابيع وقد بدأت معاناة زوجتي الصحية ليتبعها بعد ذلك معاناة طفلي الوليد، ولقد كانت زوجتي بالرغم من معاناتها الصحية تبقى خلال ساعات النهار في المستشفى مع ابننا، ولا تنال قسطاً من الراحة إلا بعد عودتنا من مدراسنا في توسكالوسا في فترة المساء، وفور رجوعي إلى برمنجهام كنت أذهب للمستشفى لأمضي بعض الوقت مع طفلي ولأتابع مع الطاقم الطبي مقدار التحسن في حالته الصحية. ولقد تسبب الوضع الصحي لزوجتي وطفلي في إرباكنا جميعاً وإخلال التوازن بالعناية بأطفالنا الآخرين، مما تطلب مني مجهوداً إضافياً لمحاولة تعويض ذلك النقص مع ابني وابنتي، فهما مازالا في مرحلة التأقلم مع المدارس واللغة والبيئة الجديدة إضافة لقلقهم على سلامة أمهم وأخيهم، ولقد كان وضعي أشبه بسباق شاق للتحمل نظراً لضرورة الموازنة بين كل تلك الأمور التي تتعلق بظروف أسرتي بالإضافة لضرورة التقدم في دراستي لبرنامج اللغة الإنجليزية ومتابعة القبول لدى الجامعة، وكثيراً ما كنت آنذاك أبدأ مذاكرتي اليومية بعد الساعة العاشرة ليلاً بعد أن تخلد زوجتي مع أبنائي للنوم وأطمئن بأن جميع أمورهم قد سارت على ما يرام.
قرأت وفندت الملاحظات المرفقة مع رفض طلبي من الوزارة وشرعت بإعداد مسودة لخطابي الذي سأقدمه مع طلب آخر لإعادة عضويتي للبعثة، فلقد كان من الظلم أن تزعم الوزارة بأنني درست اللغة الإنجليزية لسنة كاملة وأنه تم طي قيدي بعد عدة سنوات من التغيب عن مقر البعثة، في حين أنني لم أدرس سوى ستة أشهر فقط، كما أنني وزوجتي من كنا المبادرين بتقديم الطلب بإيقاف بعثتينا بعد مرور سنة لنا في ماليزيا نظراً لتعنت الوزارة والملحقية في نقل مقر بعثتينا لدولة أخرى بالرغم من معرفتهم بجميع المشاكل التي كانت تواجهنا كمبتعثين في دولة ماليزيا، ولقد كتبت في طلب إعادة إلحاقي رداً منطقياً لكل نقطة وردتني من الوزارة مورداً الشواهد من المراسلات السابقة التي تمت بيني وبين الوزارة والملحقية الثقافية بماليزيا. وبدأت الجولة الثالثة من المراسلات ليأتي رد الوزارة بنفس صيغة الرفض التي جاءت في المرة السابقة، ولقد تأكدت وقتها بأنني سأستنزف ويضيع وقتي ولن يتم النظر في طلبي كما حدث سابقاً يوم أن كنت مبتعثاً في ماليزيا، إلا أن يكون هناك وسيلة أخرى أستطيع فيها إيصال صوتي للوزارة لينظروا في أمري بشكل عادل، وبالطبع أقترح علي العديد من أقربائي وأصدقائي آنذاك باللجوء للواسطة لحل هذا الاشكال ولكنني رفضت ذلك لأنه أمر مخالف لمبادئي، وقررت أن أبحث عن بديل آخر.
بعد تفكير عميق في الموضوع قررت أن أرفع شكوى رسمية لمعالي وزير التعليم العالي لأعرض عليه مشكلتي وطالباً منه أن يتكرم بالتدخل لحل مشكلتي بموجب صلاحياته لرفع الظلم الذي وقع علي، وقد تقدمت بالشكوى من خلال الموقع الالكتروني للوزارة ضمن خانة التواصل مع الوزير ظناً مني بأنها ستكون وسيلة فعالة، ولكن وللأسف بقيت عدة أيام انتظر اتخاذ الوزارة لأي إجراء يبين وجود تفاعل من طرفهم إلا أن الطلب بقي معلقاً في إدارة التواصل الالكتروني للبعثات ولم يتم تحويله لمكتب معالي الوزير.
قررت ألا أستسلم لهذه العقبة، فلن أتراجع عن مطالبتي بحقي وبالطريقة التي تتفق مع مبادئي أيضاً، كما أنني لن أدع موظفاً ربما تقاعس عن أداء دوره يحول دون إيصال صوتي لوزير التعليم العالي، وعلى الفور قمت بإرسال برقية عاجلة بشكواي لمعالي الوزير، وبعد أن تأكدت من وصول شكواي للوزير وتم إعطائي رقماً للمعاملة تقدمت بطلبي للموافقة للدراسة على الحساب الخاص، ليأتيني الرد خلال ثلاث أسابيع بالموافقة ويتم اعتمادي رسمياً كطالب أدرس على الحساب الخاص. ولقد فرحت كثيراً بأن الجولة الرابعة بيني وبين الوزارة انتهت لصالحي هذه المرة.
توقعت الجولة الخامسة أن تكون الأخيرة عندما يتم إلحاقي بالبعثة، فلقد انهيت مستويين للغة الإنجليزية بنجاح ومدة دراستي للغة تجاوزت الأربعة أشهر ولدي موافقة للدراسة على الحساب الخاص كما حصلت على قبول مشروط بالجامعة، وبدت كل اشتراطات إلحاقي بالبعثة متوفرة آنذاك، ولذا تقدمت بطلب إلحاقي بالبعثة على الفور، ولكن رفض الوزارة أتى بشكل سريع جداً وخلال ثمانية أيام فقط وكأن شخصاً ما قد وضعني في قائمته السوداء نظير شكواي للوزير. لقد أحسست وقتها بحنق شديد، فعندما كنت أقرأ ردود الرفض لطلباتي السابقة أجدها متطابقة وكأن الموظف الذي يستقبل طلبي لم يكلف نفسه عناء قراءة طلبي وكأنه اختزل عمله في وظيفة النسخ واللصق للردود، ولقد كنت أعاني بالفعل أوقاتاً عصيبة حيث استنزفت مالياً وبشكل سريع نتيجةً للظروف الصحية لزوجتي وطفلي، فالأكل من المطاعم كلف ما يعادل ثلاثة أضعاف ما يتم طبخه في المنزل، كما أن تكلفة الوقود نتيجة للسفر اليومي بين المدينتين كانت 1000 دولار شهرياً بدلاً من 200دولار، ولولا تسخير الله سبحانه وتعالى لنا بسكن مخفض من خلال الخدمات الاجتماعية بمؤسسة رونالد ماكدونالد لكانت معاناتنا المالية أكبر بكثير.
خلال تلك الفترة اختبرت الايلتس وحصلت على الدرجة المطلوبة للقبول بالجامعة ولكن بسبب الأنظمة الداخلية بالجامعة فإنه لا يمكنني تحويل قبولي إلى قبول غير مشروط إلا بعد تجاوزي للمرحلة الحالية التي كنت أدرس بها في المعهد، وقد كان الفصل الدراسي في بداياته، ولذا راجعت مديرة القبول واطلعتها على نتائج الايلتس وطلبت منها المساعدة بأي شكل تستطيعه، فأصدرت مشكورة خطاباً خاصاً منها بأنني قد حققت الدرجة المطلوبة في الايلتس وسوف يتم تحويل قبولي إلى قبول مباشر بالجامعة فور حصولي على شهادة إتمام المستوى الحالي بالمعهد، وعلى الفور تقدمت بطلب آخر للإلحاق بالبعثة لتبدأ جولتي السادسة مع الوزارة، وقد عبرت في هذا الطلب عن استيائي من رد الوزارة الذي ينم عن عدم النظر بشكل جدي لطلبي وأرفقت أيضاً في طلبي تقريراً لحالة إبني وصورة له لعل الوزارة تدرك حجم الضغط الذي أعاني منه وتثمن قدرتي على الإنجاز في برنامج اللغة بالرغم من كل التحديات التي تواجهني، ولكن ياللسخرية! فلقد كان رد الوزارة هذه المرة أسوأ من سابقيه وكأن المسئول عن الرد أخذ تعبيري عن استيائي من ردود الوزارة بمحمل شخصي، فلقد كان رده في مسوغات الرفض رد من يريد أن يبرهن بأنه قرء التفاصيل، لدرجة أنه أشار لدرجاتي في اختبار الايلتس وتدني درجة القراءة والكتابة بالرغم من أن خطاب الجامعة يشير إلى أن هذه الدرجة معتمدة لديهم للقبول في الجامعة!
لقد أدركت بأنه لا يوجد أمل في التواصل مع منسوبي الوزارة فالرد الوحيد الذي سأحصل عليه منهم هو جملة "الطلب مرفوض"، وإن كان هناك أمل في وجود حل فهو يكمن في التواصل مع معالي الوزير بشكل مباشر، ولذا رفعت له برقية أخرى لعرض الموضوع عليه والطلب منه بتدخله العاجل في حل مشكلتي، وتوقفت عن إرسال أي طلبات جديدة للإلحاق، وقد وصلت المعاملة لمكتب الوزير وتم تزويدي برقمها للمتابعة، عندها بدأت بالبحث بشكل جدي عن خيارات أخرى يمكنني فيها توفير مصاريفي الدراسية والمعيشية، فلقد بدأ اليأس يتسرب إلى قلبي من أن الوزارة ستتجاوب مع طلباتي، ورحت أبحث مع دائرة الهجرة بالجامعة عن الخيارات التي يمكنني أن أفكر فيها كطالب أجنبي وقد أطلعتهم على كافة تفاصيل وضعي الأسري، ولقد تفهم مدير دائرة الهجرة وعرض المساعدة بعمل استثناء لتأشيرتي الدراسية ومساعدتي في الحصول على فرصة عمل خارج الحرم الجامعي في حال لم يتم إلحاقي بالبعثة.
سمح الأطباء لابني بالرجوع للمنزل بعد أربعة وسبعين يوماً قضيناها في المستشفى، ولكن لم يمض على بقائه يومين في المنزل حتى أصيب في ساعة متأخرة من الليل بحالة من التشنج نقلناه على أثرها للطوارئ بمستشفى توسكالوسا، ونظراً لوضعه الطبي فقد تم نقله بعربة الإسعاف لمستشفى برمنجهام لنقضي هناك عشرة أيام أخرى. وليت الأمر توقف عند ذلك الحد وإنما زاد الأمر سوءاً مع بدء موسم الأعاصير بولايتنا بعد عدة أسابيع من خروجنا من المستشفى، ولقد كانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها الأعاصير عن كثب، وقد تصادف حدوث الإعصار مع فترة الاختبارات النهائية وعلى مدى يومين، احتمينا في اليوم الأول داخل دورة المياه بمنزلنا عدة ساعات، ونظراً لحالة الرعب والاجهاد التي أصابتنا في اليوم الأول، فقد ذهبنا في اليوم التالي للحرم الجامعي للاحتماء داخل المكتبة المركزية، وقد تسبب هذا التوتر وقلة النوم بانخفاض أدائي في اختبار أحد المواد مما اضطرني لإعادتها في فصل الصيف مما زاد من صعوبة وضعي آنذاك.
أحسست بأن وضعي الدراسي ربما سيتأزم إذا لم انهي المستوى التالي بنجاح وأحصل على قبول مباشر في جامعة الاباما، ولذا فقد بدأت العمل على إيجاد خيارات أكاديمية أخرى في حال حدوث السيناريو الأسوأ لا قدر الله، وقد حصلت ولله الحمد خلال أسبوعين على قبولين مباشرين من جامعتين مختلفتين مما أشعرني بنوع من الأمان بسبب وجود هذه الخيارات. وبعد مضي عدة أيام حصلت المفاجأة السارة التي طالما انتظرتها وذلك بأن تلقيت رسالة من نظام سفير بقيام الوزارة بفتح معاملة جديدة لإعادة إلحاقي بعضوية البعثة، وقد أعادت تلك الرسالة روح الأمل لدي من جديد واستبشرت بأن الجولة السابعة ستنتهي لصالحي في هذه المرة، وقد طلبت مني الوزارة بعد ذلك بأيام تزويدها بخطاب القبول المباشر بالجامعة، فما كان مني إلا أن قدمت لهم أحد القبولين المباشرين المتوفرين لدي نظراً لأنني مازلت أدرس بمعهد جامعة الاباما ولم أحصل على قبولي النهائي بعد، ومضت المعاملة داخل أروقة الوزارة ليأتيني الرفض هذه المرة معللاً بأن الدرجة الأكاديمية غير مذكورة بوضوح في خطاب القبول، وقد تقبلت الرفض هذه المرة بروح مختلفة فلقد راجعت خطاب القبول وكان لديهم مسوغ منطقي للرفض، وحيث أنه لم يكن يتبق لدراستي في المعهد سوى أسابيع قليلة فقد أثرت الصبر لأحاول بكل طاقتي النجاح في المستوى الأخير في المعهد والحصول على القبول المباشر في جامعة الاباما كونها مازالت خياري الأمثل.
تنفست الصعداء مع أخر يوم لي في الاختبارات، وبغض النظر عن النتيجة التي كنت سأحققها فقد كنت راضياً عن نفسي وعن مجهودي الذي بذلته، ومضى اليومين التاليين ببطء شديد وأنا أتحرق شوقاً لمعرفة النتيجة ليصلني رد المدرستين اللتان درست عندهما على بريدي الالكتروني بأنني قد نجحت ولله الحمد وقد كنت وقتها في الجامعة، فدخلت إحدى الفصول الفارغة وانفجرت باكياً من الفرح وسجدت لله سجدة طويلة شكراً لنعمه وآلائه. وانطلقت بعدها لمتابعة موضوع خطاب القبول المباشر بأسرع وقت ممكن لكي أبعث به للوزارة فلقد كان بمثابة الورقة الأخيرة التي تحول بيني وبين إلحاقي بالبعثة، وبالفعل حصلت على قبولي النهائي في جامعة الاباما ومستندات الـ(I-20) خلال أسبوع، وعلى الفور بعثت بها للوزارة لتكون بحمد الله الجولة الثامنة هي الفاصلة وليتم إلحاقي بعضوية البعثة بتاريخ لن يغيب عن ذاكرتي في الرابع والعشرين من يوليو 2014م.
التجربة في لمحة
حالياً أدرس في أول فصل دراسي لي بالجامعة وكلي تفاؤل بغد مشرق لي ولأسرتي، فبالرغم من صعوبة التجربة التي خضناها إلا أننا تجاوزنا معظمها بشكل جيد ولله الحمد والمنة، وحتى هذه اللحظة؛ تم إجراء ثلاث عمليات لطفلي ويخضع لمتابعة دورية من عدة جهات طبية بعضها يأتينا لملاحظته في المنزل، ومازلنا نصاب بالهلع إذا رأينا عليه أي أعراض صحية لم نألفها ولكننا نحاول التأقلم مع الوضع، كما أن زوجتي قد استعادت معظم عافيتها، وأما أبنائي فقد بدأوا بالتأقلم مع مدارسهم وهناك تحسن ملحوظ في إدراكهم ولغتهم.
عندما أعود بذاكرتي للوراء قليلاً، أتذكر كم كانت هذه التجربة الإنسانية شاقة بحق، ولقد كانت أصعب ثمانية أشهر تمر بي بالرغم من أنني قد خضت تحديات كبيرة في الفترات السابقة من حياتي، فمعاناة الأسرة بوجود شخص لديه مرض خطير تعد في ذاتها صعوبة وإرهاق نفسي شديد، فكيف بي وبأسرتي حيث عانينا تلك المشقة في بلد الغربة حيث لا يوجد دعم مباشر من العائلة والأقرباء وكنا في المراحل الأولى من التكيف مع البيئة الجديدة والمعاناة من الصدمة الحضارية، وقد رافق تلك المعاناة صعوبات مالية تحملتها على كاهلي وتحديات دراسية لي ولأبنائي.
ماذا تعلمت من هذه التجربة؟ لقد تعلمت منها عدة دروس وأهمها كان الثقة بالله والتوكل عليه، فبالرغم من كل التحديات المالية التي تعرضت لها إلا أن الله سبحانه أكرمني بأن سهل موضوع الدعم الصحي والذي تحمل لحد الآن ما يزيد عن المليون دولار كتكاليف طبية لعلاج ابني دون أن أضطر إلى إراقة ماء وجهي أو التزلف لأحد لأحصل على أمر علاجي، كما أكرمني بتسهيل أمر إقامتي في سكن منظمة رونالد ماكدونالد برسوم رمزية بدلاً من الإقامة في فنادق تكلفة الليلة فيها تزيد عن 120 دولار. لقد كنت في كل مرة أدعو الله سبحانه بالتسهيل كان يصلني الدعم من أخي أو حماي يحفظهما الله ودون أن أحادثهم أو أطلب منهم شيء، بل ولم يكونوا مطلعين على تفاصيل ما يحدث معنا، وأعجب من ذلك أني خدمت أحد الاخوة القادمين من مدينة عنيزة خدمة بسيطة ولم تكن تربطني به أي صلة سوى أن أحد الإخوة من الذين كانوا يدرسون معي في المعهد طلب مني المشورة والمساعدة كون الرجل متزوج ووضعه شبيه بوضعي من حيث قدومه مع أسرته. وقد أضطر الرجل للعودة للسعودية لظروف قاهرة وترك سيارته معي وأقسم علي بأن أبيعها وأخذ قيمتها وأن لا أعيد قيمتها له إلا بعد إلحاقي بعضوية البعثة واستقرار وضعي الدراسي ومتى ما شئت.
كما تعلمت بأن التفاؤل من أكبر الوسائل التي تعين على النجاح وتجاوز العقبات، فكلما كان يصيبني الجزع كنت أتذكر كيف أن زوجتي نجت وعاشت ولله الحمد، وكيف أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ لابني أيدٍ أمينة تعالجه وتهتم به في مستشفى تعد ثالث أفضل مستشفى متخصصة بأمراض الأطفال ومشاكل القلب بالولايات المتحدة الأمريكية، لأستعيد تفاؤلي من جديد ويزيد يقيني بقول المولى عز وجل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).
بالإضافة للتفاؤل والتوكل على الله سبحانه ، تعلمت بأن الصبر والمثابرة هما السبيل للإنجاز والتفوق، فلربما يكون الانسان قريباً من تحقيق حلمه أو انجاز مهمته إلا أنه في مرحلة ما قد يسمح لليأس بالتسرب لنفسه أو يستعجل قطف ثمار مجهوداته مما يفوت أهدافه التي ينشدها.
عبدالله باكير November 13th, 2014, 09:04 AM
7 " فــي موقعـهم موجوده الشـروط والعـمر ليــس منهـا
الطلاب اعمـارهـم مختلفـه هنــا فلا اتوقع ان العمـر حــاجز
ومثـل ما تفضـلوا الاخـوان اسئلهـم احسـن
اّيــــفــــون November 13th, 2014, 11:03 PM
7 " قصتك ملهمة
وقد تكون دافعا للآخرين كما أصبحت دافعاً لي
وأشكرك على ذلك
أسأل الله السلامة لك ولأسرتك والتوفيق لي ولك ولسائر المسلمين في كل مايحبه الله ويرضاه
دافنشية November 14th, 2014, 01:15 AM
7 " السلام عليكم ورحمة الله
عندي أستفسار بسيط :
سمعت المشاكل بخصوص العمر ( العائق امام كل شخص يطمح يكون مبتعث )
هل يستطيع اي شخص تجاوز عمره ال 25 عاماً و فوق الابتعاث ف البكالوريس ؟ على حسابه
ومن ثم الالتحاق بالملحقية ؟ اما العمر يشكل عائقاً ؟
علماً ان التخرج من الثانوية أقل من عام .
فضلاً لا امراً اذا الموضوع مكرراً افيدونا لو برابط الموضوع القديم لأني تعبت ابحث ):
sabrina December 22nd, 2014, 03:01 AM
7 "
عبدالله باكير - جامعة الاباما - توسكالوسا
بعد نجاح العملية ولله الحمد بقي ولدي تحت الملاحظة المشددة عدة أيام للتأكد من أنه لا يوجد مضاعفات بعد العملية، وشيئاً فشيئاً بدأوا ينزعون عنه بعض الأنابيب وإبر المحاليل، وبدا بأنه قد بدأ يتجاوب للمغذيات وينمو قليلاً، وطمأننا الطبيب حينها بأنه ربما سيبدأ بإعطائه الحليب خلال فترة قريبة. لقد استلزم بقاؤه في المستشفى مدةً تزيد عن السبعين يوماً لمراقبة مؤشراته الحيوية ومعالجة باقي المشاكل الصحية التي كان يعاني منها كالصفار وعدم استقرار درجة حرارة الجسم، بالاضافة لمراقبة شريانه الأبهر للتأكد مع عدم وجود ضرورة ملحة لإجراء عملية أخرى، وخلال تلك الفترة كنا نذهب أنا وأبنائي لدراستنا يومياً متنقلين بين المدينتين.
وزارة التعليم العالي ومعركة ذات الثماني
بدأنا نشعر أنا وزوجتي بأن أكبر مخاوفنا قد بدأت بالزوال، وأن الأيام القادمة ستحمل في طياتها ما يدعوا للتفاؤل، ولكن سرعان ما تلاشى هذا الشعور في اليوم الرابع بعد العملية عندما وصلتني رسالة من وزارة التعليم العالي على بريدي الإلكتروني يخبرونني فيها برفض طلبي للمرة الثانية نظراً لطي قيدي كمبتعث سابق، عندها وللأسف عادت بي الذاكرة لعام 2007م لأتذكر التعقيد غير المبرر والإهمال الذي عانينا منه أنا وزوجتي خلال تعاملنا مع الملحقية في ماليزيا ومع وزارة التعليم العالي بالرياض، وبدا الأمر شبه مؤكد بأننا سنخوض هذه المرة عدة جولات من المواجهات مع وزارة التعليم العالي لنحصل على حقنا.
عندما كنا في المرة السابقة مبتعثين لدولة ماليزيا لم يكن هناك سبب يدعونا للتمسك بالبقاء في تلك البلاد، فلم تكن البيئة التعليمية بماليزيا متهيئة لاستقبال الطلبة الدوليين وبالتالي لم تكن ملائمة لي أو لزوجتي، ولذا فبعد فشل جميع محاولاتنا مع الوزارة والملحقية لتحويل بعثتينا لبريطانيا قررنا المضي قدماً في حياتنا وبدأنا من جديد في أرض الوطن. ولكن هذه المرة الأمر مختلف بشكل كلي، فبقاؤنا في أمريكا يمثل أولوية قصوى ليحصل ابني على العناية الطبية اللازمة والتي مع الأسف لا تتوفر في مستشفياتنا حتى في أفضل المستشفيات الخاصة منها، فوضعه الصحي مازال مقلقاً وأجمع الأطباء المعالجين له بضرورة بقائه في أمريكا لسنواته الثلاث الأولى على الأقل. كما أنني قبل اتخاذي لقرار مجيئنا لأمريكا قد استفسرت عن وضعي من وزارة التعليم العالي خلال ملتقى الدارسين على الحساب الخاص واخبرتهم بالقصة كاملة لبعثتنا لماليزيا بل وأعطيتهم هويتي والتي بموجب استعلام موظف الوزارة عنها في النظام أفادني بأنه لا يوجد أي مشكلة في إلحاقي بالبعثة بعد أربعة أشهر من بدئي لدراسة اللغة على حسابي الخاص، ولقد أحسست وقتها بغضب عارم بسبب هذا الأمر والذي أقل ما يمكن أن أقول عنه أنه استهتار من قبل الموظف، فكيف يتم إعطائي معلومات خاطئة؟! وكيف ترد اللجنة على طلبي الأول للدراسة على الحساب الخاص بمطالبتي بتقديم طلب إعادة إلحاق بعضوية البعثة؟! وعندما تقدمت بطلبي لإعادة إلحاقي بالبعثة أتاني الرفض ثانياً بحجة طي قيدي؟! إلهذا الحد لا يوجد مصداقية أو إحساس بقيمة الوقت والمال.
حاولت الهدوء لأفكر في خياراتي وكيف أوجد حلاً لهذه المشكلة والتي على ما يبدو بأنها كانت عويصة جداً، فلقد كنت أرزح وقتها تحت وطأة ضغط نفسي شديد حيث لم يمض على قدومي لأمريكا سوى بضعة أسابيع وقد بدأت معاناة زوجتي الصحية ليتبعها بعد ذلك معاناة طفلي الوليد، ولقد كانت زوجتي بالرغم من معاناتها الصحية تبقى خلال ساعات النهار في المستشفى مع ابننا، ولا تنال قسطاً من الراحة إلا بعد عودتنا من مدراسنا في توسكالوسا في فترة المساء، وفور رجوعي إلى برمنجهام كنت أذهب للمستشفى لأمضي بعض الوقت مع طفلي ولأتابع مع الطاقم الطبي مقدار التحسن في حالته الصحية. ولقد تسبب الوضع الصحي لزوجتي وطفلي في إرباكنا جميعاً وإخلال التوازن بالعناية بأطفالنا الآخرين، مما تطلب مني مجهوداً إضافياً لمحاولة تعويض ذلك النقص مع ابني وابنتي، فهما مازالا في مرحلة التأقلم مع المدارس واللغة والبيئة الجديدة إضافة لقلقهم على سلامة أمهم وأخيهم، ولقد كان وضعي أشبه بسباق شاق للتحمل نظراً لضرورة الموازنة بين كل تلك الأمور التي تتعلق بظروف أسرتي بالإضافة لضرورة التقدم في دراستي لبرنامج اللغة الإنجليزية ومتابعة القبول لدى الجامعة، وكثيراً ما كنت آنذاك أبدأ مذاكرتي اليومية بعد الساعة العاشرة ليلاً بعد أن تخلد زوجتي مع أبنائي للنوم وأطمئن بأن جميع أمورهم قد سارت على ما يرام.
قرأت وفندت الملاحظات المرفقة مع رفض طلبي من الوزارة وشرعت بإعداد مسودة لخطابي الذي سأقدمه مع طلب آخر لإعادة عضويتي للبعثة، فلقد كان من الظلم أن تزعم الوزارة بأنني درست اللغة الإنجليزية لسنة كاملة وأنه تم طي قيدي بعد عدة سنوات من التغيب عن مقر البعثة، في حين أنني لم أدرس سوى ستة أشهر فقط، كما أنني وزوجتي من كنا المبادرين بتقديم الطلب بإيقاف بعثتينا بعد مرور سنة لنا في ماليزيا نظراً لتعنت الوزارة والملحقية في نقل مقر بعثتينا لدولة أخرى بالرغم من معرفتهم بجميع المشاكل التي كانت تواجهنا كمبتعثين في دولة ماليزيا، ولقد كتبت في طلب إعادة إلحاقي رداً منطقياً لكل نقطة وردتني من الوزارة مورداً الشواهد من المراسلات السابقة التي تمت بيني وبين الوزارة والملحقية الثقافية بماليزيا. وبدأت الجولة الثالثة من المراسلات ليأتي رد الوزارة بنفس صيغة الرفض التي جاءت في المرة السابقة، ولقد تأكدت وقتها بأنني سأستنزف ويضيع وقتي ولن يتم النظر في طلبي كما حدث سابقاً يوم أن كنت مبتعثاً في ماليزيا، إلا أن يكون هناك وسيلة أخرى أستطيع فيها إيصال صوتي للوزارة لينظروا في أمري بشكل عادل، وبالطبع أقترح علي العديد من أقربائي وأصدقائي آنذاك باللجوء للواسطة لحل هذا الاشكال ولكنني رفضت ذلك لأنه أمر مخالف لمبادئي، وقررت أن أبحث عن بديل آخر.
بعد تفكير عميق في الموضوع قررت أن أرفع شكوى رسمية لمعالي وزير التعليم العالي لأعرض عليه مشكلتي وطالباً منه أن يتكرم بالتدخل لحل مشكلتي بموجب صلاحياته لرفع الظلم الذي وقع علي، وقد تقدمت بالشكوى من خلال الموقع الالكتروني للوزارة ضمن خانة التواصل مع الوزير ظناً مني بأنها ستكون وسيلة فعالة، ولكن وللأسف بقيت عدة أيام انتظر اتخاذ الوزارة لأي إجراء يبين وجود تفاعل من طرفهم إلا أن الطلب بقي معلقاً في إدارة التواصل الالكتروني للبعثات ولم يتم تحويله لمكتب معالي الوزير.
قررت ألا أستسلم لهذه العقبة، فلن أتراجع عن مطالبتي بحقي وبالطريقة التي تتفق مع مبادئي أيضاً، كما أنني لن أدع موظفاً ربما تقاعس عن أداء دوره يحول دون إيصال صوتي لوزير التعليم العالي، وعلى الفور قمت بإرسال برقية عاجلة بشكواي لمعالي الوزير، وبعد أن تأكدت من وصول شكواي للوزير وتم إعطائي رقماً للمعاملة تقدمت بطلبي للموافقة للدراسة على الحساب الخاص، ليأتيني الرد خلال ثلاث أسابيع بالموافقة ويتم اعتمادي رسمياً كطالب أدرس على الحساب الخاص. ولقد فرحت كثيراً بأن الجولة الرابعة بيني وبين الوزارة انتهت لصالحي هذه المرة.
توقعت الجولة الخامسة أن تكون الأخيرة عندما يتم إلحاقي بالبعثة، فلقد انهيت مستويين للغة الإنجليزية بنجاح ومدة دراستي للغة تجاوزت الأربعة أشهر ولدي موافقة للدراسة على الحساب الخاص كما حصلت على قبول مشروط بالجامعة، وبدت كل اشتراطات إلحاقي بالبعثة متوفرة آنذاك، ولذا تقدمت بطلب إلحاقي بالبعثة على الفور، ولكن رفض الوزارة أتى بشكل سريع جداً وخلال ثمانية أيام فقط وكأن شخصاً ما قد وضعني في قائمته السوداء نظير شكواي للوزير. لقد أحسست وقتها بحنق شديد، فعندما كنت أقرأ ردود الرفض لطلباتي السابقة أجدها متطابقة وكأن الموظف الذي يستقبل طلبي لم يكلف نفسه عناء قراءة طلبي وكأنه اختزل عمله في وظيفة النسخ واللصق للردود، ولقد كنت أعاني بالفعل أوقاتاً عصيبة حيث استنزفت مالياً وبشكل سريع نتيجةً للظروف الصحية لزوجتي وطفلي، فالأكل من المطاعم كلف ما يعادل ثلاثة أضعاف ما يتم طبخه في المنزل، كما أن تكلفة الوقود نتيجة للسفر اليومي بين المدينتين كانت 1000 دولار شهرياً بدلاً من 200دولار، ولولا تسخير الله سبحانه وتعالى لنا بسكن مخفض من خلال الخدمات الاجتماعية بمؤسسة رونالد ماكدونالد لكانت معاناتنا المالية أكبر بكثير.
خلال تلك الفترة اختبرت الايلتس وحصلت على الدرجة المطلوبة للقبول بالجامعة ولكن بسبب الأنظمة الداخلية بالجامعة فإنه لا يمكنني تحويل قبولي إلى قبول غير مشروط إلا بعد تجاوزي للمرحلة الحالية التي كنت أدرس بها في المعهد، وقد كان الفصل الدراسي في بداياته، ولذا راجعت مديرة القبول واطلعتها على نتائج الايلتس وطلبت منها المساعدة بأي شكل تستطيعه، فأصدرت مشكورة خطاباً خاصاً منها بأنني قد حققت الدرجة المطلوبة في الايلتس وسوف يتم تحويل قبولي إلى قبول مباشر بالجامعة فور حصولي على شهادة إتمام المستوى الحالي بالمعهد، وعلى الفور تقدمت بطلب آخر للإلحاق بالبعثة لتبدأ جولتي السادسة مع الوزارة، وقد عبرت في هذا الطلب عن استيائي من رد الوزارة الذي ينم عن عدم النظر بشكل جدي لطلبي وأرفقت أيضاً في طلبي تقريراً لحالة إبني وصورة له لعل الوزارة تدرك حجم الضغط الذي أعاني منه وتثمن قدرتي على الإنجاز في برنامج اللغة بالرغم من كل التحديات التي تواجهني، ولكن ياللسخرية! فلقد كان رد الوزارة هذه المرة أسوأ من سابقيه وكأن المسئول عن الرد أخذ تعبيري عن استيائي من ردود الوزارة بمحمل شخصي، فلقد كان رده في مسوغات الرفض رد من يريد أن يبرهن بأنه قرء التفاصيل، لدرجة أنه أشار لدرجاتي في اختبار الايلتس وتدني درجة القراءة والكتابة بالرغم من أن خطاب الجامعة يشير إلى أن هذه الدرجة معتمدة لديهم للقبول في الجامعة!
لقد أدركت بأنه لا يوجد أمل في التواصل مع منسوبي الوزارة فالرد الوحيد الذي سأحصل عليه منهم هو جملة "الطلب مرفوض"، وإن كان هناك أمل في وجود حل فهو يكمن في التواصل مع معالي الوزير بشكل مباشر، ولذا رفعت له برقية أخرى لعرض الموضوع عليه والطلب منه بتدخله العاجل في حل مشكلتي، وتوقفت عن إرسال أي طلبات جديدة للإلحاق، وقد وصلت المعاملة لمكتب الوزير وتم تزويدي برقمها للمتابعة، عندها بدأت بالبحث بشكل جدي عن خيارات أخرى يمكنني فيها توفير مصاريفي الدراسية والمعيشية، فلقد بدأ اليأس يتسرب إلى قلبي من أن الوزارة ستتجاوب مع طلباتي، ورحت أبحث مع دائرة الهجرة بالجامعة عن الخيارات التي يمكنني أن أفكر فيها كطالب أجنبي وقد أطلعتهم على كافة تفاصيل وضعي الأسري، ولقد تفهم مدير دائرة الهجرة وعرض المساعدة بعمل استثناء لتأشيرتي الدراسية ومساعدتي في الحصول على فرصة عمل خارج الحرم الجامعي في حال لم يتم إلحاقي بالبعثة.
سمح الأطباء لابني بالرجوع للمنزل بعد أربعة وسبعين يوماً قضيناها في المستشفى، ولكن لم يمض على بقائه يومين في المنزل حتى أصيب في ساعة متأخرة من الليل بحالة من التشنج نقلناه على أثرها للطوارئ بمستشفى توسكالوسا، ونظراً لوضعه الطبي فقد تم نقله بعربة الإسعاف لمستشفى برمنجهام لنقضي هناك عشرة أيام أخرى. وليت الأمر توقف عند ذلك الحد وإنما زاد الأمر سوءاً مع بدء موسم الأعاصير بولايتنا بعد عدة أسابيع من خروجنا من المستشفى، ولقد كانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها الأعاصير عن كثب، وقد تصادف حدوث الإعصار مع فترة الاختبارات النهائية وعلى مدى يومين، احتمينا في اليوم الأول داخل دورة المياه بمنزلنا عدة ساعات، ونظراً لحالة الرعب والاجهاد التي أصابتنا في اليوم الأول، فقد ذهبنا في اليوم التالي للحرم الجامعي للاحتماء داخل المكتبة المركزية، وقد تسبب هذا التوتر وقلة النوم بانخفاض أدائي في اختبار أحد المواد مما اضطرني لإعادتها في فصل الصيف مما زاد من صعوبة وضعي آنذاك.
أحسست بأن وضعي الدراسي ربما سيتأزم إذا لم انهي المستوى التالي بنجاح وأحصل على قبول مباشر في جامعة الاباما، ولذا فقد بدأت العمل على إيجاد خيارات أكاديمية أخرى في حال حدوث السيناريو الأسوأ لا قدر الله، وقد حصلت ولله الحمد خلال أسبوعين على قبولين مباشرين من جامعتين مختلفتين مما أشعرني بنوع من الأمان بسبب وجود هذه الخيارات. وبعد مضي عدة أيام حصلت المفاجأة السارة التي طالما انتظرتها وذلك بأن تلقيت رسالة من نظام سفير بقيام الوزارة بفتح معاملة جديدة لإعادة إلحاقي بعضوية البعثة، وقد أعادت تلك الرسالة روح الأمل لدي من جديد واستبشرت بأن الجولة السابعة ستنتهي لصالحي في هذه المرة، وقد طلبت مني الوزارة بعد ذلك بأيام تزويدها بخطاب القبول المباشر بالجامعة، فما كان مني إلا أن قدمت لهم أحد القبولين المباشرين المتوفرين لدي نظراً لأنني مازلت أدرس بمعهد جامعة الاباما ولم أحصل على قبولي النهائي بعد، ومضت المعاملة داخل أروقة الوزارة ليأتيني الرفض هذه المرة معللاً بأن الدرجة الأكاديمية غير مذكورة بوضوح في خطاب القبول، وقد تقبلت الرفض هذه المرة بروح مختلفة فلقد راجعت خطاب القبول وكان لديهم مسوغ منطقي للرفض، وحيث أنه لم يكن يتبق لدراستي في المعهد سوى أسابيع قليلة فقد أثرت الصبر لأحاول بكل طاقتي النجاح في المستوى الأخير في المعهد والحصول على القبول المباشر في جامعة الاباما كونها مازالت خياري الأمثل.
تنفست الصعداء مع أخر يوم لي في الاختبارات، وبغض النظر عن النتيجة التي كنت سأحققها فقد كنت راضياً عن نفسي وعن مجهودي الذي بذلته، ومضى اليومين التاليين ببطء شديد وأنا أتحرق شوقاً لمعرفة النتيجة ليصلني رد المدرستين اللتان درست عندهما على بريدي الالكتروني بأنني قد نجحت ولله الحمد وقد كنت وقتها في الجامعة، فدخلت إحدى الفصول الفارغة وانفجرت باكياً من الفرح وسجدت لله سجدة طويلة شكراً لنعمه وآلائه. وانطلقت بعدها لمتابعة موضوع خطاب القبول المباشر بأسرع وقت ممكن لكي أبعث به للوزارة فلقد كان بمثابة الورقة الأخيرة التي تحول بيني وبين إلحاقي بالبعثة، وبالفعل حصلت على قبولي النهائي في جامعة الاباما ومستندات الـ(I-20) خلال أسبوع، وعلى الفور بعثت بها للوزارة لتكون بحمد الله الجولة الثامنة هي الفاصلة وليتم إلحاقي بعضوية البعثة بتاريخ لن يغيب عن ذاكرتي في الرابع والعشرين من يوليو 2014م.
التجربة في لمحة
حالياً أدرس في أول فصل دراسي لي بالجامعة وكلي تفاؤل بغد مشرق لي ولأسرتي، فبالرغم من صعوبة التجربة التي خضناها إلا أننا تجاوزنا معظمها بشكل جيد ولله الحمد والمنة، وحتى هذه اللحظة؛ تم إجراء ثلاث عمليات لطفلي ويخضع لمتابعة دورية من عدة جهات طبية بعضها يأتينا لملاحظته في المنزل، ومازلنا نصاب بالهلع إذا رأينا عليه أي أعراض صحية لم نألفها ولكننا نحاول التأقلم مع الوضع، كما أن زوجتي قد استعادت معظم عافيتها، وأما أبنائي فقد بدأوا بالتأقلم مع مدارسهم وهناك تحسن ملحوظ في إدراكهم ولغتهم.
عندما أعود بذاكرتي للوراء قليلاً، أتذكر كم كانت هذه التجربة الإنسانية شاقة بحق، ولقد كانت أصعب ثمانية أشهر تمر بي بالرغم من أنني قد خضت تحديات كبيرة في الفترات السابقة من حياتي، فمعاناة الأسرة بوجود شخص لديه مرض خطير تعد في ذاتها صعوبة وإرهاق نفسي شديد، فكيف بي وبأسرتي حيث عانينا تلك المشقة في بلد الغربة حيث لا يوجد دعم مباشر من العائلة والأقرباء وكنا في المراحل الأولى من التكيف مع البيئة الجديدة والمعاناة من الصدمة الحضارية، وقد رافق تلك المعاناة صعوبات مالية تحملتها على كاهلي وتحديات دراسية لي ولأبنائي.
ماذا تعلمت من هذه التجربة؟ لقد تعلمت منها عدة دروس وأهمها كان الثقة بالله والتوكل عليه، فبالرغم من كل التحديات المالية التي تعرضت لها إلا أن الله سبحانه أكرمني بأن سهل موضوع الدعم الصحي والذي تحمل لحد الآن ما يزيد عن المليون دولار كتكاليف طبية لعلاج ابني دون أن أضطر إلى إراقة ماء وجهي أو التزلف لأحد لأحصل على أمر علاجي، كما أكرمني بتسهيل أمر إقامتي في سكن منظمة رونالد ماكدونالد برسوم رمزية بدلاً من الإقامة في فنادق تكلفة الليلة فيها تزيد عن 120 دولار. لقد كنت في كل مرة أدعو الله سبحانه بالتسهيل كان يصلني الدعم من أخي أو حماي يحفظهما الله ودون أن أحادثهم أو أطلب منهم شيء، بل ولم يكونوا مطلعين على تفاصيل ما يحدث معنا، وأعجب من ذلك أني خدمت أحد الاخوة القادمين من مدينة عنيزة خدمة بسيطة ولم تكن تربطني به أي صلة سوى أن أحد الإخوة من الذين كانوا يدرسون معي في المعهد طلب مني المشورة والمساعدة كون الرجل متزوج ووضعه شبيه بوضعي من حيث قدومه مع أسرته. وقد أضطر الرجل للعودة للسعودية لظروف قاهرة وترك سيارته معي وأقسم علي بأن أبيعها وأخذ قيمتها وأن لا أعيد قيمتها له إلا بعد إلحاقي بعضوية البعثة واستقرار وضعي الدراسي ومتى ما شئت.
كما تعلمت بأن التفاؤل من أكبر الوسائل التي تعين على النجاح وتجاوز العقبات، فكلما كان يصيبني الجزع كنت أتذكر كيف أن زوجتي نجت وعاشت ولله الحمد، وكيف أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ لابني أيدٍ أمينة تعالجه وتهتم به في مستشفى تعد ثالث أفضل مستشفى متخصصة بأمراض الأطفال ومشاكل القلب بالولايات المتحدة الأمريكية، لأستعيد تفاؤلي من جديد ويزيد يقيني بقول المولى عز وجل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).
بالإضافة للتفاؤل والتوكل على الله سبحانه ، تعلمت بأن الصبر والمثابرة هما السبيل للإنجاز والتفوق، فلربما يكون الانسان قريباً من تحقيق حلمه أو انجاز مهمته إلا أنه في مرحلة ما قد يسمح لليأس بالتسرب لنفسه أو يستعجل قطف ثمار مجهوداته مما يفوت أهدافه التي ينشدها.