الأعضاء الإشتراك و التسجيل

الملتقيات
ADs

خطب لصلاة الجمعة

خطب لصلاة الجمعة


NOTICE

تنبيه: هذا الموضوع قديم. تم طرحه قبل 4710 يوم مضى, قد يكون هناك ردود جديدة هي من سببت رفع الموضوع!

قائمة الأعضاء الموسومين في هذا الموضوع

  1. الصورة الرمزية محمد العبدالرحمن
    محمد العبدالرحمن

    لم يفعل عضويته

    محمد العبدالرحمن الولايات المتحدة الأمريكية

    محمد العبدالرحمن , ذكر. لم يفعل عضويته. من السعودية , مبتعث فى الولايات المتحدة الأمريكية , تخصصى q , بجامعة q
    • q
    • q
    • ذكر
    • q, q
    • السعودية
    • Sep 2011
    المزيدl

    February 14th, 2012, 04:27 AM

    1-الا بذكر الله تطمئن القلوب
    الخطبة الأولى
    الحمد لله الذي زين بذكره ألسن الذاكرين وأظهر من جميل أسمائه وصفاته وأفعاله ما سَرَّ به قلوب العارفين، فأثنى عليه بها المفردون الموحدون من الأولين والآخرين، أحمده تعالى وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
    أما بعد. .
    عباد الله اتقوا الله وأكثروا من ذكره فإن ذكره سبحانه قوت قلوب الذاكرين وهو قرة عيون الموحدين وهو عدتهم الكبرى وسلاحهم الذي لا يبلى وهو دواء أسقامهم الذي متى تركوه أصيبت منهم المقاتل فانتكسوا على أعقابهم خاسرين.
    فبالذكر يستدفع الذاكرون الآفات ويستكشفون الكربات وتهون عليهم المصيبات فإليه الملجأ إذا ادلهمت الخطوب وإليه المفزع عند توالي الكوارث والكروب به تنقشع الظلمات والأكدار وتحل الأفراح والمسرات.
    وقد أمر الله تعالى به المؤمنين فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراًوقال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾. وقد أثنى الله سبحانه وتعالى في كتابه على الذاكرين فقال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِإلى أن قال: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً. وأما الأخبار عن النبي r فقد دلت الأدلة على أن أفضل ما شغل العبدُ به نفسه في الجملة ذكر الله تعالى فمن ذلك قول رسول الله r: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم)) قالوا: بلى، قال: ((ذكر الله تعالى)). ومما يظهر فضل الذكر وعلوَ مرتبته قصة الرجل الذي أتى رسول الله فقال له: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ فأخبرني بشيء أتشبث به قال: ((لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله)). ومما يدل على ذلك أن الله تعالى أمر المؤمنين بأن يذكروه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم فقال تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾. وهكذا كان النبي r فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله r يذكر الله على كل أحيانه)).
    فعليكم عباد الله بالإكثار من ذكره سبحانه وعمارةِ الأوقات والأزمان بالأذكار والأوراد المطلقة والمقيدة كقول: لا إله إلا الله فإنها من خير الأقوال وأحبها إلى الله أو قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنها خير مما طلعت عليه الشمس وغير ذلك من الأقوال التي تنمّى بها الحسنات وترفع بها الدرجات وتوضع السيئات,
    ومما يشحذ همتك ويلهب حماسك ويجذبك إلى ذكر مولاك أن تعلم أن للذكر فوائد كثيرة وعواقب حميدة لمن حافظ عليه وأكثر منه وإليك بعض هذه الفوائد.
    فمن فوائد الذكر الكبار أنه يورث محبة الله سبحانه وتعالى فالذكر باب المحبة وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم فكلما ازداد العبد لله ذكراً ازداد له حباً فمن أراد أن يفوز وينال محبة الله تعالى فليلهج بذكره. ومن فوائد ذكر الله تعالى أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره ويزيل الهم والغم والحزن ويجلب للقلب الفرح والسرور والبسط فقد قال رسول الله r: ((من قال – يعني إذا خرج من بيته -: باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كُفيتَ وهُديتَ ووُقيت وتنحى عنه الشيطان فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هُديَ وكُفيَ ووُقي)).
    ومنها: أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة ويمَده بالقوة في قلبه وبدنه حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يفعله بدونه ولذلك علم النبي r ابنته فاطمة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أن يُسّبحا كل ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين ويحمدا ثلاثاً وثلاثين ويكبرا أربعاً وثلاثين لما سألته أن يعطيها خادماً وقال: ((إنه خير لكما من خادم))
    ومنها أن الذكر يورث ذكر الله تعالى للعبد قال الله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ. وفي الحديث القدسي قال تعالى: ((فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم)).
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم
    الخطبة الثانية
    الحمد لله الذي أمر بذكره ورتب على ذلك عظيم أجره والصلاة والسلام على أعظم الناس ذكراً لربه نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه.
    أما بعد. .
    فاعلموا أيها المؤمنون أن من فوائد الذكر أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته كما في حديث النبي r انه قال لجماعة اجتمعوا يذكرون الله: ((أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم ملائكته)).
    ومن فوائد الذكر أنه سبب لنزول الرحمة والسكينة كما قال r: ((وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)).

    ومن فوائده أنه يسهل المصاعب وييسر العسير ويخفف المشاق فما ذكر الله على صعب إلا هان ولا على عسير إلا تيسر ولا على شاق إلا خف ولا على شدة إلا زالت ولا كربة إلا انفرجت وذلك لأن الذكر يذهب عن القلب المخاوف كلها وله تأثير في حصول الأمن فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله عز وجل قال الله تعالى: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
    عباد الله صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة, فقد أمركم الله بذلك حيث يقول جل في علاه ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صلي وسلم وبارك على الحبيب المصطفى وعلى اله وصحبه الطيبين الطاهرين وعنا معهم بمنك وفضلك يا ارحم الرحمين ..


    اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا وتوفنا يا رب وأنت راض عنا .. اللهم اجعل اجتماعاً مباركا مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ربنا لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا مريضا إلا شفيته ولا ميتا إلا رحمته ولا طالبا أمرا من أمور الخير إلا سهلته له ويسرته له يارب العالمين ..
    ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) عبادَ اللهِ ،
    ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
    فاذكرو الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون
  2. 2-اهمية الدعاء
    الخطبة الأولى

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
    أما بعد. . .
    فاتقوا الله عباد الله واشكروه جل وعلا حق شكره أجاب دعاءكم ورحم ضعفكم وفرج كربكم وأغاث بلاءكم فله الحمد على ذلك حمداً كثيراً، له الحمد سبحانه حمداً نلتزم فيه شرعه ونقف عند أمره ونهيه فاعملوا عباد الله شكراً فقليل من عباد الله الشكور.
    أيها المؤمنون إن من عظيم فضل الله تعالى ورحمته بعباده أن جعل دعاءه وسؤاله عبادة من أفضل العبادات وقربة من أجل القربات عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة))(1) فجعل الله سبحانه بمحض فضله وعظيم إحسانه وبره سؤال عباده ودعاءهم لب عبادته وأساسها: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ(2).
    أيها المؤمنون إن الله سبحانه وتعالى أمركم بدعائه ووعدكم الإجابة فضلاً منه ومناً فقال تبارك وتعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْفاستجيبوا لربكم أيها المؤمنون بدعاء الله وسؤاله فإن الله قد توعد من أعرض عن دعائه بالعقاب الأليم والعذاب المهين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي– أي دعائي ومسألتي –سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(3) وعن أبي هريرة مرفوعاً: ((من لم يسأل الله يغضب عليه)) فاسألوا الله أيها المؤمنون و اطلبوا منه كل حاجاتكم دقيقها وجليلها قريبها وبعيدها فإن الأمر كله بيد الله لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: سلوا الله كل شيء حتى الشسع ـ أي حتى سير النعل ـ فإن الله لو لم ييسره لم يتيسر. فسلوا الله عباد الله كل شيء فإن الله يحب عبده الذي يسأله ويلح في سؤاله وطلبه فإنه سبحانه جواد كريم يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فتبارك الله رب العالمين بيده الملك وهو على كل شيء قدير.
    أيها المؤمنون إن دعاء الله تعالى وسؤاله والتضرع والشكوى إليه من أنفع الأدوية فالدعاء عدو البلاء يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه ويخففه فعن ثوبان مرفوعاً: ((لا يرد القدر إلا الدعاء)).
    فيا أيها المؤمنون ادعوا الله واسألوه واحرصوا على الأخذ بآداب الدعاء التي تزيد في أجره وتغلب إجابته فإن للدعاء آداباً واجبة ومستحبة لها أثر بالغ في تحصيل المطلوب والأمن من المرهوب.
    أيها المؤمنون إن من آداب الدعاء دعاء الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا والثناء عليه وحمده كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا(11) ثم بعد ذلك الصلاة على خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كل دعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يصلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم.
    ومن آداب الدعاء أيها المؤمنون حسن الظن بالله تعالى فإن الله يجيب دعوة الداعي إذا دعاه قال صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة))
    عباد الله: إن من الأسباب المهمة التي يحصل بها إجابة الدعاء إطابة المأكل والمشرب والملبس فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك))
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم

    الخطبة الثانية
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
    أما بعد. .
    فيا أيها المؤمنون أكثروا من سؤال الله تعالى ودعائه في الشدة والرخاء والسراء والضراء فإن الدعاء عبادة جليلة يرفع الله بها الدرجات ويحط الخطيات وتحصل بها المأمولات والمطلوبات وقد قال صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس: ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) .
    فاجتهدوا يا من ترجون النوال وتؤملون جواب السؤال .. اجتهدوا في دعاء الله تعالى وتحروا أوقات الإجابة كساعة يوم الجمعة وجوف الليل الآخر وبين الأذان والإقامة وأدبار الصلوات المكتوبات وغير ذلك من الأوقات الفاضلة وادعوا الله بقلوب حاضرة خاشعة منكسرة ذليلة وألحوا في الدعاء رغبة ورهبة وتوسلوا إليه جل وعلا بأسمائه وصفاته ..


    عباد الله صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة, فقد أمركم الله بذلك حيث يقول جل في علاه ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صلي وسلم وبارك على الحبيب المصطفى وعلى اله وصحبه الطيبين الطاهرين وعنا معهم بمنك وفضلك يا ارحم الرحمين ..


    اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا وتوفنا يا رب وأنت راض عنا .. اللهم اجعل اجتماعاً مباركا مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ربنا لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا مريضا إلا شفيته ولا ميتا إلا رحمته ولا طالبا أمرا من أمور الخير إلا سهلته له ويسرته له يارب العالمين ..
    ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) عبادَ اللهِ ،
    ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
    فاذكرو الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون

    7 "
  3. 3-بر الوالدين
    الخطبة الأولى
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
    أما بعد. . .
    فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أن تقوى الله تعالى لا تستقيم لكم حتى تقوموا بما فرض الله عليكم من الواجبات والحقوق وتذكروا ما نهاكم عنه من القطيعة والعقوق.
    أيها المؤمنون إن بر الوالدين من آكد ما أمر الله به عباده كيف لا ؟ وقد قرن الله حقهما بحقه سبحانه وتعالى وشكرهما بشكره جل علاه فقال الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾وقال جل وعلا: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾.
    ومما يظهر مكانة بر الوالدين في ديننا الحنيف النصوص النبوية الكثيرة المستفيضة والتي تحث على بر الوالدين وتنهى عن عقوقهما فمن ذلك ما في الصحيحين من حديث ابن مسعود t قال: ((سألتُ رسول الله r: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي ؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي ؟ قال: الجهاد في سبيل الله)). وفيهما أيضاً من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء رجل إلى النبي r يستأذنه في الجهاد فقال: ((أحي والداك؟ قال: نعم قال: ففيهما فجاهد)). وعنه أيضاً قال: قال رسول الله r: ((رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد)).
    أيها المؤمنون إن مما يحثنا ويشجعنا على بر الوالدين تلك الفضائل التي رتبها الكريم العليم على بر الوالدين فمن تلك الفضائل أن بر الوالدين سبب لدخول الجنة ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخلاه الجنة)).
    ومن فضائل بر الوالدين تفريج الكربات وإجابة الدعوات ومن فضائلهما أيضا سعة الرزق وطول العمر ففي الصحيحين عن أنس مرفوعاً: ((من سره أن يبسط عليه رزقه ويُنسأ في أثره فليصل رحمه)) وبر الوالدين أعظم صور صلة الرحم.
    ومن فضائل بر الوالدين ما ورد في شأن من عق والديه فإن الأحاديث كثيرة مستفيضة في تغليظ عقوق الوالدين ولو لم يكن في ذلك إلا تحريم الجنة على العاق نعوذ بالله من الخسران لكفى ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: ((لا يدخل الجنة قاطع رحم)).
    أيها المؤمنون لو لم يكن في عقوق الوالدين وترك برهما إلا أنه غصص وأنكاد يتجرعها من لم يألُ جهداً في الإحسان إليك لكان كافياً في حملك على تركه
    فيا أيها المؤمنون اتقوا الله وقوموا بما فرض الله عليكم من بر والديكم والإحسان إليهم .. فإن حقهما عليكم عظيم ..فقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال: إن لي أماً قد بلغ منها الكبر أنها لا تقضي حوائجها إلا وظهري لها مطية فهل أديت حقها ؟ فقال الفاروق رضي الله عنه: لا، لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك وأنت تصنعه وأنت تتمنى فراقها ولكنك محسن ..والله يجزي المحسنين على القليل الكثير.
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم





    الخطبة الثانية
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
    أما بعد. . .
    فيا أيها المؤمنون إن للوالدين حقوقاً وواجبات نشير في هذه الخطبة إلى بعضها رجاء أن يثمر ذلك عملاً صالحاً وبراً حانياً فطالما كانت النفوس السوية مجبولة على حب من أحسن إليها ..فإن من شرائع الدين وسمات المروءة وضرورات العقل أن يقابل الإحسان بالإحسان قال الله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلا الإحْسَانُ﴾. فمن حقوق الوالدين عليك محبتهما وتوقيرهما على من سواهما روى البخاري في الأدب المفرد أن أبا هريرة أبصر رجلين فقال لأحدهما: ما هذا منك ؟ فقال: أبي فقال: لا تسمه باسمه ولا تمشِِ أمامه ولا تجلس قبله.
    ومن برهما الإحسان إليهما بالقول والعمل والحال كما قال الله تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾.
    ومن حقوقهما الدعاء لهما في الحياة وبعد الممات قال الله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ وفي الحديث: ((إن الرجل ليرتفع في الجنة فيقول: أنى لي هذا ؟ فيقال: باستغفار ولدك لك)). ومن حقوقهما صلة أهل ودهما فقد روي عن ابن عمر مرفوعاً ((إن أبر البر صلة الرجل أهل ودِّ أبيه)).
    ومن حقوقهما التواضع لهما وخفض الجناح قال الله تعالى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ` وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾
    هذه أيها المؤمنون بعض الحقوق التي افترضها الله عليكم لوالديكم ولا يظن من وفقه الله في القيام ببعض الحقوق أنه قد قام بما عليه وقد جزى والديه حقهما قال النبي r: ((لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه))
    صلوا عباد الله على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ واله الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .
    اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا وتوفنا يا رب وأنت راض عنا .. اللهم اجعل اجتماعاً مباركا مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ربنا لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا مريضا إلا شفيته ولا ميتا إلا رحمته ولا طالبا أمرا من أمور الخير إلا سهلته له ويسرته له يارب العالمين ..
    ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
    (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)
    ، عبادَ اللهِ ،
    ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
    فاذكرو الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون

    7 "
  4. 4-حقوق القرآن العظيم
    الخطبة الأولى
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
    أما بعد. . .
    أيها المؤمنون؛ اتقوا الله واشكروه على نعمة إنزال القرآن، الذي جعله الله ربيع قلوب أهل البصائر والإيمان فهو كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصفه: هو كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: ﴿ إنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ﴾(1) من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.
    أمة القرآن هذه بعض أوصاف كتابكم الحكيم، وقد ذكر الله كثيراً من أوصافه في القرآن العظيم، بيّن في تلك الأوصاف وظيفة الكتاب ومهمته وعمله، وما يجب له من الحقوق والواجبات، فمن ذلك أيها المؤمنون أن الله وصف كتابه الحكيم بأنه روح قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإيمَانُ﴾(2) فالقرآن العظيم روح يحيي به الله قلوب المتقين فلله كم من ميت لا روح فيه ولا حياة أحياه الله تعالى بروح الكتاب قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾(3) فاطلبوا أيها المؤمنون حياة قلوبكم من كتاب ربكم، فلا أطيب ولا أكمل من الحياة بروح القرآن.
    عباد الله إن من أوصاف القرآن العظيم أنه نور قال تعالى: ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾(4) وقال: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾(5) فالقرآن يا عباد الله نور تشرق به قلوب المؤمنين، ويضيء السبيل للسالكين المتقين، وذلك لا يكون إلا لمن تمسك به فعمل بأوامره وانتهى عن زواجره .
    أيها المؤمنون إن من أوصاف القرآن العظيم أنه فرقان قال الله تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴾(6) فالقرآن فرقان يفرق بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال وبين الغي والرشاد وبين العمى والأبصار وهو فرقان فرق الله فيه وبه بين المؤمنين الأبرار وبين الكافرين الفجار، فاحرصوا عباد الله على التحلي بصفات المؤمنين، والتخلي عن صفات الكافرين والفاسقين.
    أيها المؤمنون إن من أوصاف القرآن العظيم أنه موعظة وشفاء، وهدى ورحمة للمؤمنين كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾(7) فالقرآن يا عباد الله أبلغ موعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وهو أنجع الأدوية لما في القلوب من الآفات والأمراض، ففي كتاب الله تعالى شفاء أمراض الشبهات و شفاء أمراض الشهوات وهو هدى ورحمة لمن تمسك به، يدله على الصراط المستقيم، ويبين له المنهاج القويم، ويوضح سبيل المؤمنين.
    أيها المؤمنون هذه بعض الأوصاف التي وصف الله تعالى بها القرآن العظيم، وهي أوصاف عظيمة جليلة تبين عظم قدر هذا الكتاب المجيد الذي جعله الله خاتم كتبه إلى أهل الأرض، فهو أعظم آيات النبي صلى الله عليه وسلم بل هو أعظم آيات الأنبياء، فلم يؤت نبي مثل هذا القرآن العظيم، الذي أعجز نظامه الفصحاء، وأعيت معانيه البلغاء وأسر قلوب العلماء، فصدق والله ربنا حيث قال: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾(8).
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.










    الخطبة الثانية
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
    أما بعد. .
    أيها المؤمنون؛ إن لهذا الكتاب العظيم حقوقاً كثيرة وواجبات عديدة، فاتقوا الله عباد الله وقوموا بحقوقه وواجباته، فمن حقوقه أيها المؤمنون، وجوب الفرح به، فكتاب الله المجيد خير ما يفرح به، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (75) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾(9) قال أبو سعيد رضي الله عنه في هذه الآية: (( فضل الله: القرآن، ورحمته: أن جعلكم من أهله )) ومقتضى هذا الفرح يا عباد الله هو تعظيم هذا الكتاب، وإيثاره على غيره، فإنه والله خير من كل ما يجمعه الناس من أعراض الدنيا وزينتها.
    أيها المؤمنون؛ إن من حقوق هذا الكتاب المجيد تلاوته، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) ليُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾(10) وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)) فحافظوا أيها المؤمنون على تلاوة القرآن، واستكثروا من ذلك، فإن تلاوة القرآن تجلو القلوب وتطهرها وتزكيها، وتحمل المرء على فعل الطاعات، وترك المنكرات، وترغبه فيما عند الله رب البريات.
    أيها المؤمنون، إن من حقوق هذا الكتاب العظيم والفرقان المبين تدبر معانيه، قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾(12) وقد ذم الله تعالى المعرضين عن تدبر كتابه فقال جل وعلا: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾(13) فاتقوا الله عباد الله وتدبروا كتابه العظيم، فإنه لا يحصل الانتفاع بالقرآن إلا لمن جمع قلبه عند تلاوته وسماعه، واستشعر أنه خطاب ربه جل وعلا إلى رسوله، وقد جاء عن بعض السلف رحمهم الله أنهم كانوا يقيمون الليل بآية واحدة يرددونها ويتدبرون ما فيها.
    أيها المؤمنون؛ إن من حقوق هذا الكتاب الاستمساك به كما أمر الله تعالى بذلك نبيه فقال تعالى: ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(15) والاستمساك به يكون بإتباعه، بإحلال حلاله وتحريم حرامه، والاقتداء به، والتحاكم إليه، وعدم الكفر بشيء منه كما قال تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾(16) فاتقوا الله عباد الله وتمسكوا بكتاب ربكم تمسكاً صادقاً ترى آثاره في أعمالكم وأقوالكم وأخلاقكم، وأقبلوا عليه تلاوة وحفظاً وتدبراً وفكراً وعلماً وعملاً، فإنه من اعتصم به فقد هدي، فاعتصموا بحبل الله جميعاً أيها المؤمنون.


    صلوا عباد الله على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ واله الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .
    اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا واسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ،
    ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
    (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)
    ، عبادَ اللهِ ،
    ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
    فاذكرو الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون
    7 "
  5. 5-الصدقة
    الخطبة الأولى
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ؛
    ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ؛ ومن سيئات أعمالنا ؛
    من يهده فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلا هادي له ؛
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛
    وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛
    صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
    أما بعد:- عباد الله:
    إتقوا الله تعالى وتذكروا قول الله جل وعلا : ( آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) يقول الله سبحانه مادحاً عباده المؤمنين : ( والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم ) أي : أن في أموالهم نصيباً مقرراً لذوي الحاجات من الناس سواءٌ كان هذا الحق واجباً أو مستحباً.
    والسائل: هو الذي يسأل الناس حاجته ويطلبها بنفسه.
    والمحروم: هو المتعفف الذي يتعفف عن سؤال الناس ولا يُظهر فاقته إليهم قال صلى الله عليه وسلم : ( ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يجد غِنًى يُغْنيه ولا يُفْطَن له فيُتَصَدق عليه ) وفي رواية : ( ولا يسأل الناس شيئاً ) كما قال تعالى: ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ). فالمؤمنون الكُمَّل هم الذين يتفقدون الجميع فيعطون السائل والمحروم.
    عباد الله:
    إن مال العبد في الحقيقة هو ما قدم لنفسه ليكون له ذخراً بعد موته ، وليس ماله ما جمع فاقتسمه الورثة بعده ، في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ،قالوا يا رسول الله ، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه ، قال فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر (
    وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها ، أنهم ذبحوا شاة فتصدقوا بها سوى كتفها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بقى كلها غير كتفها.(
    عباد الله:
    إن الصدقة دليل على إيمان العبد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( والصدقة برهان ) أي دليل وعلامة على صدق الإيمان.
    وهي سبب للشفاء والسلامة من الأمراض قبل وقوعها وبعد وقوعها قال صلى الله عليه وسلم ---- ( داووا مرضاكم بالصدقة.(
    وعندما يحشر الناس حفاةً غرلا وتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق يكون المسلم في ظل صدقته قال صلى الله عليه وسلم --- ( كل امرئ في ظل صدقته حتى يُفصل بين الناس.(
    والصدقة تطفئ غضب الرب سبحانه قال صلى الله عليه وسلم:
    ( صدقة السر تطفيء غضب الرب.(
    وهي سبب لنيل محبة الله عز وجل قال عليه الصلاة والسلام: ( أحب الأعمال إلى الله عز و جل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخي في حاجه أحب إلي من أن اعتكف في هذا المسجد شهراً ).
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ؛
    ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ؛ ومن سيئات أعمالنا ؛
    من يهده فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلا هادي له؛
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛
    وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛
    صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
    عباد الله:
    الصدفة من أهم أسباب الرزق ونزول البركات قال الله تعالى: ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) وقال صلى الله عليه وسلم: ( ما نقص مال من صدقة ).
    والصدقة من أعظم أبواب البر والإيمان وذوق حلاوته قال تعالى:
    ( لن تنالو البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنقوا من شيء فإن الله به عليم (
    والصدقة الجارية يبقى ثوابها حتى بعد الموت قال صلى الله عليه وسلم:
    ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: ـ وذكر منها ـ صدقة جارية )
    وهي سبب لإطفاء الخطايا وتكفير الذنوب قال صلى الله عليه وسلم:
    ( الصوم جنة والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار.(
    وهي حجاب عن النار قال صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا النار ولو بشق تمرة )
    والصدقة من أفضل صنائع المعروف قال صلى الله عليه وسلم:
    ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء )
    فيالها من فضائل يغفل عنها كثير من الناس.
    صلوا عباد الله على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما
    ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )
    اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ واله الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .
    اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا واسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ،
    ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
    (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)
    ، عبادَ اللهِ ،
    ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
    فاذكرو الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون

    7 "
  6. 6-حسن الخلق
    الخطبة الأولى
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
    أما بعد. . .
    أيها المؤمنون اتقوا الله ربكم واعملوا بخصال التقوى، فإن لتقوى الله جل وعلا خصالاً لا تتم إلا بها ومن تلك الخصال يا عباد الله حسن الخلق وصالح السجايا والشيم، فإن من مقاصد البعثة المحمدية إتمام صالح الأخلاق، فإن الله بعث محمداً على حين فترة من الرسل ليتم به صالح الأخلاق وفاضلها، فعن أبي هريرة مرفوعاً: ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)). وقد جعل الله تزكية النفوس وإصلاحها بالفضائل والمكرمات إحدى وظائف النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾
    أيها المؤمنون إن شأن الأخلاق عظيم في هذه الشريعة المباركة إذ هي مبنية على القيام بحقوق الله تعالى والقيام بحقوق العباد ابتغاء وجه الله تعالى، فبقدر ما معك من استقامة الخلق بقدر ما معك من استقامة الدين قال الله تبارك و تعالى في بيان أعظم آيات النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على صدق نبوته: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾قال ابن عباس: أي على دين عظيم. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم حسن الخلق من دلائل كمال الإيمان فقال: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)).
    فحسن الخلق أيها المؤمنون صفة من صفات الأنبياء والصديقين والصالحين، بها تنال الدرجات، وترفع المقامات، وهو واجب من الواجبات الدينية، وفريضة من الفرائض الشرعية، وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ففي حديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن)).
    أيها المؤمنون إن لحسن الخلق وطيب الشيم فضائل عديدة في الكتاب والسنة وكلام الأئمة فمن فضائل حسن الخلق أمر الله تعالى به في قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ فإن هذه الآية أجمع آية لمكارم الأخلاق وأصول الفضائل.
    ومن فضائل حسن الخلق الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كل الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة مرتهنة بالاقتداء به وإتباع سنته، وهو صلى الله عليه وسلم أجمل الناس خلقاً، وأطيبهم شيماً قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
    ومن فضائل حسن الخلق أيها المؤمنون أن به يبلغ المؤمن درجة الصائم القائم قال صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم)).
    ومن فضائل حسن الخلق أيها المؤمنون أنه يثقل ميزان العبد يوم القيامة ففي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ((ما من شيء أثقل في الميزان يوم القيامة من حسن الخلق))
    أيها المؤمنون إن من فضائل حسن الخلق أنه من أسباب القرب من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ففي صحيح ابن حبان قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأحبكم إلى و أقربكم مني مجلساً يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقاً))
    عباد الله إن خيرية الرجل لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب بل لا بد من النظر في أخلاقه وشيمه فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ًولا متفحشاً وكان يقول: (خياركم أحاسنكم أخلاقاً)
    أيها المؤمنون هذه بعض فضائل حسن الخلق ولو لم يكن فيه إلا ضمان النبي صلى الله عليه وسلم بيتاً في أعلى الجنة لمن حسن خلقه لكان كافياً ففي سنن أبي داود قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)) فاجتهدوا أيها المؤمنون في تحسين أخلاقكم لتحرزوا بذلك تلك الفضائل العظيمة والدرجات الرفيعة والأجور الوفيرة فقد صدق من قال:
    لو أنني خيرت كل فضيلة ما اخترت غير محاسن الأخلاق
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم











    الخطبة الثانية
    أما بعد. .
    فاتقوا الله عباد الله وحسنوا أخلاقكم فإن تقوى الله وحسن الخلق أكثرُ ما يدخل الناس الجنة واعلموا أيها المؤمنون أن حسن الخلق الذي رتبت عليه تلك الأجور العظام والفضائل الحسان إنما هو ما ابتغي به وجه الله ووافق فيه الظاهر الباطن، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) ، فحسن الخلق المطلوب أيها المؤمنون سلامة في الظاهر ونقاء في الباطن وإن جماع حسن الخلق جاء في آية واحدة في كتاب الله تعالى وهي: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾فمن عمل بهذه الآية فقد اجتمع له حسن الخلق، ففيها الأمر بإيصال الخير والنفع إلى الخلق أجمعين، وفيها الحث على احتمال الجنايات، والعفو عن الزلات، و فيها الأمر بمقابلة السيئات بالحسنات،
    صلوا عباد الله على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ واله الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .
    اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا واسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ،
    ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) عبادَ اللهِ ،
    ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
    فاذكرو الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون

    7 "
  7. 7-وجوب مراقبة الله تعالى
    الخطبة الأولى
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
    أما بعد. . .
    أيها المؤمنون اتقوا الله تعالى في السر والعلن والغيب والشهادة فإن ربكم العليم الخبير لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، يحاسبكم على القليل والكثير ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾(1) وقال عز جنابة: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾(2).
    عباد الله أيها المؤمنون إن الله جل وعلا أخبركم بأنه رقيب على أعمالكم، عالم بما في نفوسكم لا تخفى عليه منكم خافية فالسر عنده علانية، أخبركم بذلك لتخافوه وتخشوه وتراقبوه، فقال تقدست أسماؤه: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾(3) وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾(4)

    عباد الله إن الواجب على المسلم أن يستحضر ويتيقن اطلاع الله على ظاهره وباطنه ولا شك أن من اعتقد ذلك وتيقنه حمله على خير كثير ودفع عنه شراً عظيماً فالله جل وعلا على كل شيء شهيد. ولذلك فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم مراقبة الله جل وعلا وتيقن اطلاعه على أحوال عباده من أعلى مقامات الدين فلما سئل صلى الله عليه وسلم عن الإحسان قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك))(5) ومن عبد الله أيها المؤمنون مستحضراً قربه وأنه بين يديه كأنه يراه أوجب له ذلك خشية وخوفاً وهيبة وتعظيماً لله رب العالمين، كما أن تيقن اطلاعه سبحانه على عبده يحمل العبد على إحسان العبادة، وبذل الجهد في إتمامها وتكميلها، وقد نبه إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حثه صلى الله عليه وسلم المؤمنين على الخشوع في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه، أو إن ربه بينه وبين القبلة))(6).
    أيها المؤمنون إن إيمان العبد بأن الله يراه ويطلع على سره وعلانيته وباطنه وظاهره وأنه لا يخفى عليه شيء من أمره من أعظم أسباب ترك المعاصي الظاهرة والباطنة؛ وإنما يسرف الإنسان على نفسه بالمعاصي والذنوب إذا غفل عن هذا الأمر ولذلك قال الله تعالى في بيان تهوك أهل النار في الذنوب والمعاصي: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وذالكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين﴾(7) فمن قام في قلبه أنه لا تخفى على الله خافية، راقب ربه وحاسب نفسه وتزود لمعاده، واستوى عنده السر والإعلان، ولذلك كان من وصاياه صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت))(8) أي في السر والعلانية حيث يراك الناس وحيث لا يرونك، فخشية الله تعالى في الغيب والشهادة من أعظم ما ينجي العبد في الدنيا والآخرة ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسألك خشيتك في الغيب والشهادة))(9) وكان الإمام أحمد كثيراً ما ينشد قول الشاعر:
    إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقـل خلــوت ولكن قل علي رقيب
    ولا تحسبن الله يغفـــل ساعة ولا أن مـا يخفـى علـيه يغيب
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم

    الخطبة الثانية
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
    أما بعد. . .
    فاتقوا الله عباد الله واخشوه في الغيب والشهادة فإن الله قد أعد لمن راقبه وخشيه أجراً عظيماً فقال سبحانه: ﴿جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾(10) وخص من خشيه في الغيب والسر فقال: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب (33) ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود (34) لهم ما يشاؤون فيها ﴾(11) أما أولئك الذين خف قدر الله في قلوبهم وضعف يقينهم وإيمانهم فسارعوا في ارتكاب الموبقات والتورط في الذنوب والمعاصي في أوقات الخلوات ولم يرعوا حق رب الأرض والسماوات ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾(12) فأقول لهم: استمعوا إلى حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً)) قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا. قال: ((أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل ما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))(13) فما أحوجنا أيها المؤمنون إلى تأمل هذا الحديث واستحضاره لا سيما في هذه الأيام المتأخرة التي كثر فيها الفساد وتيسرت أسبابه فلم يبق مانع ولا حاجز في كثير من الأحيان إلا أن يخاف العبد ربه في السر والعلن.

    عباد الله صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة, فقد أمركم الله بذلك حيث يقول جل في علاه ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صلي وسلم وبارك على الحبيب المصطفى وعلى اله وصحبه الطيبين الطاهرين وعنا معهم بمنك وفضلك يا ارحم الرحمين ..


    اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا وتوفنا يا رب وأنت راض عنا .. اللهم اجعل اجتماعاً مباركا مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ربنا لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا مريضا إلا شفيته ولا ميتا إلا رحمته ولا طالبا أمرا من أمور الخير إلا سهلته له ويسرته له يارب العالمين ..
    ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) عبادَ اللهِ ،
    ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
    فاذكرو الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون
    7 "
  8. 8-صلاح القلوب
    الخطبة الأولى
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
    أما بعد. . .
    أيها المؤمنون اتقوا الله حق تقاته، واعلموا أن تقوى الله جل وعلا لن تستقيم لكم إلا بإصلاح قلوبكم وتطهيرها من الأمراض والآفات بالبر والطاعات، ولهذا فإن الله جل ذكره بعث الرسل وأنزل الكتب لإصلاح القلوب وتطهيرها، وتزكيتها وتطييبها، كيف لا ؟
    وبالقلب يعرف العبد ربه فيتعرف على أسمائه وصفاته، وبالقلب يعلم العبد أمر الله ونهيه .. وبالقلب يحب العبد ربه ويخافه ويرجوه .. وبالقلب يفلح العبد وينجو يوم القيامة قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ` إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ أي أتى الله بقلب سليم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره ونبأه.
    وبالقلب يا عباد الله يقطع سفر الآخرة فإن السير إلى الله تعالى سيرُ القلوب لا سيرُ الأبدان.
    قطع المسافة بالقلوب إليه لا بالسير فوق مقاعد الركبان
    والقلب يا عباد الله هو موضع نظر الله سبحانه وتعالى فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأبشاركم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))
    فيا لله العجب، من أقوام صرفوا جلّ اهتمامهم في تحسين ظواهرهم، وغفلوا عن قلوبهم وأفئدتهم .
    فبصلاح القلب يا عباد الله تصلح الأجساد فعن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))
    أيها المؤمنون بالله ورسوله يا من ترجون الله والدار الآخرة، عليكم بحفظ قلوبكم وإصلاحها وحسن النظر فيها وبذل المجهود في استقامتها، واعلموا أنه لن يتم لكم ما ترجونه من صلاح قلوبكم حتى تسلم قلوبكم من أربعة أمور:
    الأمر الأول: أن تسلم من الشرك صغيره وكبيره فإنه من أعظم مفسدات القلوب
    الأمر الثاني: أن تسلم من البدعة ومخالفة السنة، فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
    الأمر الثالث: أن تسلم من الشبهات التي تزيغها وتحملها على إتباع الهوى والتكذيب بالحق.
    الأمر الرابع: أن تسلم من الشهوات التي تمرضها وتفسدها.
    أيها المؤمنون إن السلامة من هذه الآفات الكبرى، لا تتأتى إلا بأسباب لابد من الأخذ بها ..
    فمن أسباب صلاح القلوب واستقامتها الأخذ بالقرآن العظيم تلاوة وحفظاً وتدبراً وتعلماً فإن الله سبحانه وتعالى أنزله شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾
    ومن أسباب صلاح القلوب واستقامتها إعمارها بمحبة الله تعالى فلا فلاح ولا صلاح ولا استقامة ولا لذة ولا طيب إلا بمحبة الله تعالى قال النبي r: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَ إليه مما سواهما ... الخ ))(
    ومن أسباب صلاح القلوب وتطييبها ذكر الله تعالى: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾(7). وقال النبي r: ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت))(
    فذكر الله تعالى أيها المؤمنون جلاء القلوب فإن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وجلاؤه ذكر الله تعالى فأكثروا أيها المؤمنون من ذكر الله تعالى في جميع الأوقات لا سيما في أدبار الصلوات وفي الصباح والمساء وغير ذلك من المناسبات فإنها من أعظم ما يصلح القلوب.

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكّر الحكيم ؛ أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم








    الخطبة الثانية
    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
    أما بعد...
    عباد الله إن من أسباب صلاح القلوب تطهيرها من الآفات والأمراض التي تفسدها وتعطبها كالحسد والغل والعجب والرياء والشح فإن هذه الأمراض تفسد القلب وتصرفه عن صحته واستقامته فاحرصوا بارك الله فيكم على تطهير قلوبكم من هذه الآفات فإنه لا نجاة للقلب إلا بالنجاة منها.
    أيها المؤمنون إن من أهم أسباب صلاح القلوب دعاء الله سبحانه وتعالى وسؤاله إصلاح القلب و تطييبه فإن سؤال ذلك من أنفع الدعاء ومن دعاء النبي r: ((اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك))(9) ومن دعائه أيضاً: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))(10) فأكثروا من سؤال الله التثبيت وإصلاح القلوب.
    عباد الله صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة, فقد أمركم الله بذلك حيث يقول جل في علاه ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صلي وسلم وبارك على الحبيب المصطفى وعلى اله وصحبه الطيبين الطاهرين وعنا معهم بمنك وفضلك يا ارحم الرحمين ..


    اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا وتوفنا يا رب وأنت راض عنا .. اللهم اجعل اجتماعاً مباركا مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ربنا لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا مريضا إلا شفيته ولا ميتا إلا رحمته ولا طالبا أمرا من أمور الخير إلا سهلته له ويسرته له يارب العالمين ..
    ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) عبادَ اللهِ ،
    ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )
    فاذكرو الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون
    7 "
ADs

قم بتسجيل دخولك للمنتدي او

الانضمام لمبتعث

Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.