حقائق الصراع الأمريكي الإيراني
إبراهيم بن عبد الرحمن التركي
27/09/2008 ميلادي - 26/9/1429 هجري
الأحداث السياسية الكبرى تحتوي على حقائق تتفق عليها الأطراف الفاعلة والمحللون والمراقبون، كما أن فيها سيناريوهات تختلف فيها التوقعات والتحليلات، وصراع أمريكا وإيران الحالي فيه الحقائق والأكاذيب والتمويهات والتوقعات، وهذا رصد لأهم الحقائق الجديرة بالتأمل:
1- التصعيد الإعلامي أو التهدئة ليست مؤشرًا حقيقيًّا في الصراع الأمريكي الإيراني؛ فالثورة الشيعية قد تزوجت الشيطان الأكبر زواج متعة مرتين؛ الأولى: في بداية الثورة الإيرانية زمن قمة الصفاء الثوري في أثناء الحرب الإيرانية العراقية، فكانت الثمرة ولادة صفقة أسلحة عبر إسرائيل عرفت بفضيحة إيران جيت. والثانية: عبر عملاء إيران من الشيعة في تمكين أمريكا من احتلال العراق، فهذا زواج قديم ومودة برغم كل الجعجعة الإعلامية.
2- الصراع الإيراني الأمريكي الإسرائيلي هو صراع سياسي على مصالح لا على مبادئ وعقائد، والاختلاف هو اختلاف المحاصة واقتسام الغنيمة، والغنيمة هنا هي المنطقة العربية السنية.
والشواهد كثيرة، وما تغنى ثوار إيران بالمبادئ إلا لخداع السذج من المسلمين، والدليل صفقة إيران جيت في عز الثورة، وسماح الخميني بنقل الآلاف من يهود إيران بالحافلات سرًّا إلى باكستان، ومنها إلى إسرائيل.
وعندما سئل الخميني عن مدى شرعية التعامل مع إسرائيل كان جوابه: "إذا لم يكن التعامل مباشرًا، فإنني لا أبالي"، وفي موضوع الهجوم على المفاعل النووي العراقي فقد تم التباحث بشأنه بين إسرائيل وإيران "وقد وفرت إيران لإسرائيل الصور الفوتوغرافية والخرائط المفصلة وقد تم الاجتماع بين موفد إسرائيل وممثل للخميني في فرنسا قبل شهرين من ضرب المفاعل، وشرح الإيرانيون تفاصيل هجومهم غير الناجح على المفاعل العراقي في 30/9/1980 وسمحوا للطائرات الإسرائيلية بحق الهبوط في مطار تبريز في حال الضرورة، ومساعدة إيران لأمريكا في احتلال العراق وأفغانستان لا تحتاج لأدلة.
3- إيران تريد عملا إقليميًا معترفًا به في العراق وغيره، وبرغم ما قدمته لإسقاط العراق، إلا أن أمريكا لم تمنحها إلا القليل في العراق، وبصورة غير رسمية، وقد تسحبه، فكان السلاح النووي وسيلة (لترسيم) نفوذها في المنطقة، وتحقيق حلم مجدها الفارسي التليد، وأما عملاؤها الشيعة في العراق فلا تأمن انقلابهم عليها كما حاول محمد باقر الحكيم.
4- معمل ليفرمور النووي الأمريكي -الذي يعد المركز الرئيس للبحوث النووية الأمريكية- وضع تقريرًا لم يكشف النقاب عن محتوياته حول قدرات إيران النووية ورفعه إلى الرئيس بوش. وتسرب عن هذا التقرير ميله إلى وجهة النظر القائلة بأن أمام إيران خمسة أعوام على الأقل للحصول على مقومات تكفي لصنع سلاح نووي بدائي. وتقديرات الاستخبارات المركزية الأمريكية أن إيران لن تستطيع بناء أسلحة نووية قبل عام 2017 إلى 2020.
5- ساعدت إيران الولايات المتحدة على القدوم إلى المنطقة لإسقاط نظامين كانا لدى إيران قبل أمريكا العائقَ بل الجدارَ الرئيس لاجتياح الأمة الإسلامية، ونجح الطرفان بفضل التعاون المشترك في بلوغ هذا الهدف، ولكن هذا الحلف كان يحمل عوامل انهياره منذ البداية. أولى هذه العوامل: رغبة كل طرف بأن يكون له الكلمة الفصل في شئون هذه المنطقة، بالإضافة أن أحد الأطراف هو الذي كان يدفع الثمن دائمًا ونقصد به أمريكا، في حين يجني الطرف الثاني الأرباح دونما أي خسائر تقريبًا، وهي إيران.
6- إيران تسيطر على أكبر تشكيلين للمليشيا الشيعية بالعراق، هما: فيلق بدر وجيش المهدي.
وتتحكم بأكبر حزبين شيعيين، هما: المجلس الأعلى وحزب الدعوة بأجنحته الثلاثة.
كما فتحت مكاتب للمخابرات الإيرانية استقطبت أكثر من (70.000) شاب من الجنوب.
وتجاوز عدد المنظمات الإيرانية التي تعمل في العراق ثلاثين منظمة، تتخذ لها أسماء ومقارَّ وعناوين معروفة، وجميع من يعمل فيها ويدير نشاطاتها إيرانيون، وثمانية عشر نائبًا في مجلس النواب إيرانيون، ولا يفوتنك أن المرجع الديني لشيعة العراق، الذي يمسك بزمام أكبر موجه للفكر والإرادة والسياسة هو الإيراني علي السيستاني، وقد بلغ السيستاني في انتمائه لأصله الإيراني واستنكافه من الانتماء للعراق حدًا جعله يرفض التجنس بالجنسية العراقية، حين أراد ما سمي بـ(مجلس الحكم) الشيعي منحه إياها!!! ولإيران خمس قنصليات في العراق: في أربيل، والسليمانية، والبصرة، وكربلاء، وبغداد.. هذا غير السفارة في بغداد؟!
ورئيس إيران يمشى في بغداد وفى المنطقة الخضراء وبحماية أمريكية؟! وعلى البساط الأحمر وباستقبال رسمي، وبوش وتشيني ورايس يأتون خفيه وتحت جنح الظلام!!
7- إسرائيل لا تعد الشيعة وإيران خطرًا على وجودها، وإنما خطرًا على نفوذها فقط، بدليل تأييد شارون لشيعة لبنان؛ إذ قال في مذكراته: اقترحت إعطاء قسم من الأسلحة التي منحتها إسرائيل ولو كبادرة رمزية إلى الشيعة الذين يعانون هم أيضًا مشاكل خطيرة مع منظمة التحرير الفلسطينية, ومن دون الدخول في أي تفاصيل, لم أرَ يومًا في الشيعة أعداء إسرائيل على المدى البعيد))!! [مذكرات أرييل شارون ص: 583-584، الطبعة الأولى، 1412هـ/1992م].
وللعلم فالشيعة اللبنانيون في جيش لحد العميل لإسرائيل كان أكثرهم من النصارى، وبعضهم انضموا لحزب الله بعد انسحاب اليهود.
لأن هدف الشيعة أن يكون لهم نفوذ في لبنان مقابل حمايتهم لإسرائيل من فلسطينيي لبنان الذين كانوا يمثلون خطرًا على إسرائيل؛ لأنهم يهدفون لتحرير فلسطين، وقد نجح حزب الله في منع الفلسطينيين من تنفيذ عمليات من لبنان. (طالع المزيد من المعلومات حول هذا في مقال: حرب الفرس والروم في لبنان
http://www.almokhtsar.com/html/artical/394.php
8- أمريكا ليس من مصلحتها تدمير إيران على النحو الذي تم في العراق. وإسرائيل تشاركها هذه الرؤية، لأنها أكبر المستفيدين من وجود خطر إيراني على العرب. فبقاء إيران كقوة عسكرية في هذه المنطقة مصلحة أمريكية وإسرائيلية في المقام الأول. والخلاف ليس على بقاء هذه القوة أو عدمه، وإنما على حجمها وأثرها. فالمحافظة على القوة الإيرانية يعني في الاستراتيجية الأمريكية تشتيت وإضعاف ما يسمى بالخطر الإسلامي، فإيران -بحكم دوافعها الطائفية الدينية الخطيرة القائمة على الاختلاف والمخالفة لكل ما يمت إلى الإسلام بصلة- تؤدي عملا هامًا في تقسيم الأمة إلى أمتين حتى في أعيادها.
والتصدي لأطماعها بالنسبة إلى العرب بات بديلا من الصراع مع إسرائيل. وهنا تكمن أهميتها. وهذه ليفني وزيرة خارجية بني صهيون تعلن في قطر أنها تأمل تشكيل جبهة عربية إسرائيلية موحدة ضد طموحات إيران النووية.
فإيران بتركيبتها الطائفية.. عنصر توتر في المنطقة.. وهو ما يستدعي من دول المنطقة الضعيفة أن ترمي بنفسها.. في حضن أمريكا ودول الغرب.. ليحموها من البعبع الإيراني.. ومن طموحاته التوسعية، وأمريكا بحاجة -في المنطقة- إلى كلب عقور.. ترخي له الحبل وقتما تشاء.. لتُرهب به من تشاء.
وفي تصريح لنائب الرئيس الإيراني كشف رحيم مشائي أن "الجمهورية الإسلامية في إيران تمثل مطلبا أمريكيًا"، كما أعلن "أن إيران هي اليوم صديقة الشعب الإسرائيلي، والشعب الأمريكي.
9- إسرائيل حثت أمريكا على ضرب العراق؛ لأنه كان يمثل تهديدًا لوجودها، وهي تحث الآن على ضرب إيران؛ لأنها تنافسها النفوذ والقوة في المنطقة وتسعى لاقتسام الكعكة معها. ولوبي إسرائيل في واشنطن ينسق مع الحكومة الإسرائيلية حملة ضغط ودعاية لجرّ إدارة بوش الصغير للحرب، وقد تقدح إسرائيل شرارة الحرب بضربة جوية عبر سرب "العقرب"، ليصبح العقرب الإسرائيلي في مواجهة "الحيّة" الإيرانية، و"لربما تموت الأفاعي من سموم العقارب"!!
10- أمريكا ليست على رأي واحد حيال إيران، والاتجاهات الرئيسة ثلاثة: الأول يؤيد ضرب إيران؛ وأبرز رموزه تشيني نائب بوش، والاتجاه الثاني يؤيد الضغط السياسي والاقتصادي عبر مجموعة متكاملة من العقوبات الذكية تضمن التوصل إلى مرحلة "الخنق الاستراتيجي"، بحيث تشعر بلاد فارس بعدم وجود أي مخرج لها سوى الإذعان للمطالب الأمريكية كما حصل مع كوريا الشمالية؛ ويمثل هذا الرأي وزيرا الدفاع والخارجية ومؤسسة راند الفكرية، وبوش يتأرجح بين الاتجاهين، ولذا قال حسين شريعتمداري -رئيس تحرير صحيفة كيهان الإيرانية ومستشار المرشد الأعلى علي خامئني- في مقابلة أجرتها معه وكالةُ الأنباء الفرنسية: (إن تقديرنا هو أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تهاجم إيران، ليس بسبب الرئيس الأمريكي جورج بوش، بل لأنه ما زال هناك في الولايات المتحدة الأمريكية بعضُ العقلاء الذين سيمنعون بوش من الإقدام على ذلك). فهناك سباق خطير يدور الآن بين الانفراج والانفجار.
والاتجاه الثالث تمثله بعض مراكز الدراسات والمفكرين الاستراتيجيين، ويدعو لتمكين الشيعة في المنطقة ليمثلوا (كالصفويين مع العثمانيين) شوكةً في خاصرة السنة، الذين يمثلون الخطر الحقيقي على الغرب بمعتقداتهم ومبادئهم وفتوحاتهم، أما الشيعة فلم يغزوا الغرب، بل ساعدوه في غزوه لبلاد المسلمين قديما وحديثا.
و في هذا الإطار يقترح زبيجنيو بريجنسكي -مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق في عهد الرئيس جيمي كارتر- على واشنطن أن تبادر بالتفاوض مع إيران، وأن تستعيد التحالف معها إلى عهده السابق وقت أن كانت إيران تقوم في ظل حكم الشاه بعمل شرطي الخليج لخدمة المصالح الأمريكية عبر تبني ما أطلق عليه بسياسة واقعية نحو إيران؛إذ إن توجيه ضربة أمريكية جوية إلى المنشآت النووية الإيرانية أو ضربة إسرائيلية أقل فاعلية لن يقوم بسوى تأخير برنامج إيران النووي.
وجاء في استطلاع لشبكة
CNN: أن 70 في المائة من أفراد العينة الأمريكية المختارة يرفضون أي ضربة عسكرية ضد إيران. فهناك رفض دبلوماسي وعسكري وشعبي واستخباراتي في أمريكا لضرب إيران، لكن لا مستحيل في إدارة الإلهام الإلهي، لا سيما أن أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا -وبدعم من روسيا والصين- حاولت إقناع إيران بتجميد نشاطات تخصيب اليورانيوم من دون جدوى. وخاب ظن هذه الدول التي تعرف باسم مجموعة 5+1 حين كانت تنظر ردًا رسميًا من إيران على سلة الحوافز التي عرضتها مقابل تجميد نشاطات طهران النووية عندما جاء الرد في رسالة من صفحة واحدة لم يحمل "ردًا واضحًا", وتسري في طهران نكتة يتداولها الناس عبر هواتفهم النقالة وتقول: بماذا أجاب الرئيس محمود أحمدي نجاد على عرض 5+1 المتعلق بالملف النووي؟ تأتي الإجابة بـ6! النكتة ليست ساخرة فحسب، وإنما هي إلماحة إلى شعور عام بانسداد أفق المفاوضات في شأن هذا الملف، وإلى أن كل تحرك دولي إضافي هو مجرد كسب للوقت داخليًا. كما أن طهران زادت من تصلبها في موقفها حينما رفعت مستوى التهديدات إلى حد الإعلان عن استعدادها لإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي الذي يمثل رئة النقل البحري لدول الخليج والعالم. وهذا يساعد التيار المنادي بضرب إيران، وذلك بإثبات عدم جدوى الوسائل الدبلوماسية في حل المشكلة النووية.
11- في رأي الخبراء الغربيين، فإن إمكانية نشوب حرب في هذا الوقت لا تزيد ولا تقل عن (50/50)، ولكن قد تميل الكفة من أحد الجانبين لصالح الآخر، ويتوقع البعض شن الحرب ضد إيران هذا الشتاء، وربما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر (ذو القعدة) حتى لا يؤدي العمل العسكري الإسرائيلي وتبعاته إلى المساعدة على إسقاط المرشح الجمهوري (جون ماكين) أو التأثير في مسار الانتخابات على نحو أو آخر. والباحث العسكري الأمريكي الشهير سيمون هيرش يرجح ضرب إيران، في حين يرجح د. عبد الله النفيسي الصفقة بينهما.
لماذا يخشى محمود أحمدي نجاد "فجأة" سيناريو حرب إسرائيلية أو أمريكية في ربع الساعة الأخير من عهد الرئيس؟ ألم يكن هذا القلق مرافقًا الرئيس الإيراني في زيارته إسطنبول؟
لماذا يقلق حسن نصر الله من "الأعاصير الآتية على العالم والمنطقة"، ويختار لغة التهدئة والحوار والتعاون مع الجميع حتى السلفيين كي "يصمد" لبنان؟
12- الصراع ليس بين أمريكا وإيران فقط، بل هي معركة مع الصين وروسيا، أما إيران فهي مخلب القط فقط وإن اقتصر عمل الروس والصين على الجانب السياسي والدبلوماسي.
13- الشيعة يحققون للغرب انقسام أمة المسلمين إلى أمتين شيعية وسنية؛ لأن الشيعة يمثلون أكبر انحراف عن دين الإسلام من داخل المسلمين، ولذا تجد لدى علماء أهل السنة والجماعة مفهومين لمصطلح أهل السنة: عام وخاص؛ فالمراد بالعام ما يكون في مقابل الشيعة، فتدخل الفرق المنتسبة إلى الإسلام كالأشاعرة والماتريدية في مفهوم أهل السنة، وعليه ينقسم المسلمون إلى سنة وشيعة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله: فلفظ السنة يراد به من أثبت الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلاّ الرافضة... [منهاج السنة 2/ 221] والمراد بالخاص ما يكون في مقابل أهل البدع، والمقالات المحدثة، كالشيعة، والخوارج، والجهمية، والمعتزلة، والمرجئة، والأشاعرة والماتريدية، وغيرهم، فهؤلاء لا يدخلون في مفهوم أهل السنة بالإطلاق الخاص.
قال شيخ الإسلام: (وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من أثبت الصفات لله تعالى، ويقول: إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يرى في الآخرة، ويثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة).
والشيعة يمثلون أكبر انحراف وقع في المسلمين بما ابتدعوه من شركيات وعبادات لغير الله كدعاء الأموات والطواف على قبورهم واعتقادهم العصمة في أئمتهم الاثنى عشر، وغلوهم فيهم حتى عبدوهم من دون الله، وصاروا يحجون إلى قبورهم ويطوفون بها ويستغيثون بمن فيها (ملايين الشيعة يحجون سنويا لكربلاء والنجف وغيرها من المقابر). واعتقادهم بتحريف القرآن ونقصانه وسبهم للصحابة رضي الله عنهم وتكفيرهم، وخاصة سادتهم وشيوخهم كأبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما، والرافضة اليوم يجعلون أبا بكر وعمر صنمي قريش، ويتهمونهما بالكفر الصريح، وكذلك زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم الصديقة عائشة رضي الله عنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ إنهم يكفرونها ويقذفونها بالزنا.. قاتلهم الله أنى يؤفكون، ولذا فإن مارك سلفربرج في كتابه "سدنة الإرهاب... العربية السعودية والجهاد العالمي" يرى "نقطة أمل مضيئة" تتمثل في ظهور "الإسلام الشيعي المعتدل" الذي يعد بسلام مع اليهود والمسيحيين وجميع الأغيار. ويعد المؤلف كذلك بانقسام داخلي في دول الإسلام الراديكالي على يد "الشيعة"، سيكبح (هذا الانقسام) جماح "الانجذاب الذهني للمسلمين نحو القضية الفلسطينية، وما يعتقدون أنه غبن من الإدارات الأمريكية وإسرائيل، ويتحول إلى صراع بين الوهابيين الراديكاليين والشيعة المعتدلين".
واستبشر الكاتب بصعود مطالبات الأقليات الشيعية "المعادية للحركة الوهابية" في السعودية ودول أخرى مما "يبعث على الأمل بحصول الدفع من أجل إصلاحات حقوقية وتوازن إيديولوجي داخل هذه البلدان إذا ما استمر التأزم في هذه البلدان مشفوعًا بضغوط جمعيات الحريات وحقوق الإنسان".
وقد كانت الاعتداءات الإيرانية زمن حربها مع العراق على السفن العربية في الخليج هي سبب دخول الأساطيل العسكرية الغربية للخليج.
14- إيران تتفوق على أمريكا في الدهاء السياسي، وكتاب كليلة ودمنة نموذج للفكر السياسي الإيراني، وإن جرى على لسان حيوانات، فهذه إيران تحكم العراق من غير إطلاق رصاصة أو قذيفة بفضل الحمق الأمريكي، وهي تنتهج المماطلة وسياسة كسب الوقت والتسويف والمراوغة كي تصل إلى الحد النووي الذي يصعب معه تعرضها لأي عمل عسكري، لكن مشكلة إيران أن عدوها الأمريكي أحمق، والأحمق لا ينفع معه الدهاء والسياسة؛ لأنه لا يمكن التنبؤ بما يصنع، ومشكلة إيران الثانية مع أمريكا هي غطرسة إيران وكبرها الذي سيتسبب في دوس الفيل الأمريكي لها.
15- النفوذ الإيراني يتزايد في المنطقة، وهو يمثل خطرًا استراتيجيًّا على المسلمين من الجهتين العقدية والسياسية، لا سيما مع تفرق أهل السنة وابتعاد حكوماتهم عن الدين، فخطر إيران واقع ملموس تصرح به بلا تقية. فهذا مساعد وزير الخارجية الإيراني لشئون البحوث منوشهر محمدي توقع سقوط الأنظمة الملكية العربية في الخليج. ونقلت وكالة مهر الإيرانية عن محمدي زعمه أن "الأزمة المقبلة التي ستصيب الخليج الفارسي بالشلل قريبًا تتعلق بشرعية الأنظمة الملكية والتقليدية التي لن يكون بإمكانها البقاء في ظل الأوضاع الحالية)، وأن الشرق الأوسط سيبقى مركزًا للتطورات والأزمات إذا ظلت الأنظمة الملكية في الخليج قائمة، وأن النزاعات لن تحل إلا بزوال تلك الأنظمة التقليدية حسب قوله.
ومن قبله طالب مستشار خامنئي بضم البحرين فضلا عن احتلال إيران لجزر الإمارات وطرد سكانها العرب منها.
الإيرانيون يهددون بأنهم سيحرقون ويدمرون دول الخليج على أهلها لو نشبت أي حرب بينهم وبين أمريكا.. وكأن عدوهم الذي يُحاربهم هي دول الخليج وليست أمريكا! وهذا برغم وقوف دول الخليج ضد ضرب إيران وبرغم أن دول الخليج قد يسرت على الإيرانيين وفتحت لهم أسواقها وبنوكها بعد سلسلة العقوبات التي أجبرت الشركات والبنوك الأمريكية والأوربية - بل وحتى الصينية - على تقليص تعاملاتها مع إيران، أو تجميد أرصدتها من عائدات النفط في البنوك الأمريكية والأوربية.
وإذا كانت طهران تهدد العرب بهذا الشكل من غير أن تمتلك سلاحا نوويا، فماذا ستفعل عندما ينضج مشروعها النووي؟ ونفوذ إيران وسطوتها سيبقى مشكلة لدول الخليج حتى لو تخلت عن برنامجها النووي، ولن يتوقف تحرشها بدول الخليج وتزايد نفوذها إلا إن ضربت ضربة عسكرية قاصمة تقصم نفوذها وتيتم عملاءها.
16- قوة إيران العسكرية مبالغ فيها؛ فطهران تبالغ في تصوير قوتها العسكرية لإخافة من قد يفكر في عمل عسكري ضدها. وأمريكا تبالغ في تصوير القوة العسكرية الإيرانية لإخافة جيران إيران. والدليل أن نموذجهم المثالي حزب الله قد أمطر اليهود بآلاف الصواريخ، فماذا دمرت تلك الصواريخ؟ فكأنها ألعاب نارية لا صواريخ حربية.
وما صاروخا شهاب وزلزال إلا كسابقيهما العباس والحسين عند صدام والظافر، والقاهر عند جمال عبدالناصر.
أما عملاء إيران في العراق فهم أجبن وأضعف من أن يواجهوا أمريكا عسكريًّا، وهم قد عجزوا وهي أيضًا عن مواجهة المقاومة العراقية إلا بعدما فرقوا السنة.
17- منذ عام تقريبًا اتسعت دائرة التقشف في إيران، فما عادت المواد المقننة تقتصر على الكهرباء وحدها، وإنما طاولت المياه والغاز وحصص الوقود التي تعطى لأصحاب السيارات، ومشاهد طوابير السيارات تقف الساعات الطوال أمام محطات البنزين والغاز، وهي من أكبر دول العالم المصدّرة للطاقة.
وفي الشتاء الفائت اضطرت الحكومة إلى فتح بوابات السدود للتخلص من فائض المياه نظرًا إلى أن السدود قديمة جدًا ولم تخضع للصيانة منذ سنوات وهي قابلة للتصدع في أي لحظة وإحداث كوارث.
فإيران بلد "ينتفخ" كبالون يبحث عن الانفجار، بلد شعبه يعاني مصاعبَ وتحدياتٍ داخليةً، وحكومته تبدّد الأموال خارجه، في حين تتنامى نسبة الفقر والقهر داخليًّا.
18- الضربة الأمريكية لإيران لن تقتصر على المنشآت النووية، بل ستشمل ما بين ألفين إلى أربعة آلاف هدف عسكري واقتصادي لتشغل إيران بإعادة بناء بنيتها الأساسية ولتفجر صراعاتها الداخلية العرقية والسياسية كما حدث بعد حرب إسرائيل على حزب الله قبل عامين؛ إذ تحول الحزب لحرب داخلية طائفية، وقد قيل وقتها: إن تلك الحرب التموزية ما هي إلا بروفة لضرب إيران.
19- الدول العربية تمارس عمل المتفرج على حافة رصيف محطة القطار المعطل، ومعهم حقائب خلافاتهم ونزاعاتهم وأمزجتهم ونزعاتهم، في حين تقف الشعوب على حافة براكين الغلاء والأزمات الاقتصادية والأوضاع المعيشية الصعبة، فالعرب بين مستعمرين أمريكي وإيرني بلا استراتيجية مواجهة إلا أماني وتمنيات بألا تحدث معركة بساحتهم.
وكأنهم ينتظرون حتى يستولي الرافضة على بلاد المسلمين كما فعل أسلافهم في القرن الرابع الهجري؛ عند استيلاء العبيديين على مصر والمغرب، واستيلاء البويهيين على بلاد فارس والعراق، واستيلاء القرامطة من الشيعة على الخليج والأحساء، ووصولهم لمكة، وتعطيلهم للحج لأول مرة في تاريخ الإسلام عام 317 هجرية؛ إذ لم يقف أحد بعرفة، وقتلهم 30 ألف حاج، ودفنهم لزمزم بآلاف الجثث، ثم قاموا بعد ذلك بقلع الحجر الأسود من مكانه، وحملوه معهم إلى مدينة "هجر" بالبحرين، وهي مركز دعوتهم وعاصمة دولتهم وهدفهم من الاستيلاء على الحجر الأسود أن يتعطل الحج إلى مكة ويرتحل الناس إلى مدينة "هجر". فبقي عندهم 22 سنة، ثم أعادوا الحجر الأسود مقابل خمسين ألف دينار، وكان الحجر ينقل ما بين هجر والقطيف، ووضعوه في بناء بنوه خارج القطيف وسموه "الكعبة" أيضًا، وكان أهل هجر والقطيف يتدافعون الحجر بينهم لما كانت تحل بمن كان الحجر عندهم من المصائب وكثرة والوفيات.
وربما تحمل سلة الحوافز الغربية إلى إيران ورقةَ حلف جديدة على حساب العرب في مقابل إغلاق ملفها النووي لنعيش اتفاقية "سايكس بيكو جديدة" إيرانية أمريكية لاقتسام الخليج والمنطقة العربية.
20- أمريكا بحاجة لضربة عسكرية كبرى تمحو بها عار هزيمتها العسكرية في العراق وأفغانستان حتى باتت توصف بأنها نمر من ورق؛ يتجرأ على التحرش بها الصغير والكبير، وكان آخر ذلك هجوم الروس على حليفتها المدللة جورجيا وهي تتفرج عاجزة عن نصرتها. وقد يكون سكوت أمريكا عن ضرب جورجيا مقابل سكوت روسيا عن ضرب إيران.
21- الرد الاستراتيجي الأكبر من جهة السنة العرب على الخطر الشيعي الإيراني يجب أن يرتكز على تحطيم الفكرة الأساسية التي يستغلها الإيرانيون لتنفيذ حلمهم الإمبراطوري الفارسي، وهي التشيع عبر تكثيف وتطوير دعوة الشيعة خاصة العرب منهم لأنهم قنطرة الفرس كما حدث في العراق، فيجب التركيز على دعوتهم وتطويرها وتنظيمها في مؤسسات مدعومة رسميًّا وشعبيًّا، وإنشاء القنوات الموجهة للشيعة ليكون الرد الفعال على سلاح إيران النووي بسلاح السنة العقدي والتركيز على اضطهاد إيران لشيعتها العرب في الأحواز.
22- أمريكا وإيران ظلمتا المسلمين ظلمًا عظيمًا، واشتركتا في قتل مليون ونصف مليون في العراق (وهو ما يقارب جريمة التتار)، وتهجير خمسة ملايين عراقي، وتيتيم أربعة ملايين طفل وترميل مليون امرأة، وهذا ظلم عظيم لا يرضاه رب العالمين، وقد توعد الله الظالمين بالعقاب في الدنيا والآخرة؛ قال عز وجل: {
وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 59]، {
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} [يونس: 13]، وقال سبحانه: {
وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ} [الأنبياء: 11]، وقال عز من قائل: {
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45]، وقال تعالى: {
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]. فسنة الله إهلاك الظالمين، ونحن نؤمن بإهلاك الله للظالمين كما وعدنا الله؛ بأيدينا، أو بجند من جنده، أو بضرب الظالمين بعضهم ببعض، ولن تذهب الدماء والدعوات والمظالم هدرًا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا ترد دعوتهم...))، ومنهم ((ودعوة المظلوم؛ يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين))، رواه الترمذي.
{
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
اللهم اضرب الظالمين بالظالمين، وأخرج المسلمين الموحدين من بينهم سالمين.
حزب الله ـ تمهيد
خاص بالبينة 15-5-1430هـ / 10-5-2009م
ـ بعد استقلال لبنان، 22 نوفمبر 1943، وفى ظل قوى وصراعات ومصالح ودوافع سياسية متباينة، وضعت الدولة الوليدة لنفسها أعرافا دستورية لها طبيعة خاصة، صيغت على خلفية أن " تمتلك " كل طائفة من طوائف المجتمع اللبنانى تمثيلا معينا، كوتة، داخل المنظومة الحاكمة، وفقا لقوة كل منها وحجم نفوذها وعدد المنتمين اليها، بمعنى أن الدستور، الذى نص فى مقدمته فقرة " ح " على أن (إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية)، جاءت أعرافه بتجميع هيكلى لطوائف المجتمع اللبنانى لتركيب آلية محددة للحكم وادارة الدولة، وليس لصهر هذه الطوائف بكاملها فى بوتقة الوطن لتشكيل كيان واحد تنتقى منه الإرادة الشعبية أدواتها الحاكمة دون قيد أو شرط أو ترجيح للنفوذ الطائفى وعناصر قوته القابلة للتغير وفقا لمقتضيات الأمور وسنن الحياة، وبالتالى سعت هذه القوى الى تقسيم الإطار السياسى ومناطق النفوذ الجغرافية داخل الدولة فيما بينها بدلا من توحيدها على أساس " حق المواطنة " أو الوحدة الوطنية، فأضحى الانقسام هو الأصل والولاء للطائفة يسبق الولاء للوطن الكبير، وباتت الدولة، بأعرافها الدستورية، هى الراعى الرسمى لهذا الوضع الذى لا يوجد مثيل له، على الأقل فى عالمنا العربى، والذى ربما كان أحد أسباب خروج الكثير من صفوة اللبنانيين الى دول المهجر، فأصبح لبنان " جمهورية ديمقراطية برلمانية " ولكن طوائفية، نظامها وعرفها الدستورى يستوجبان توزيع السلطات على الطوائف الـ 18 المؤلفة للمجتمع اللبناني، فمثلا رئيس الجمهورية يجب أن يكون مسيحى مارونى، ورئيس الوزراء مسلم سنى، ثم بعدها أصبح رئيس مجلس النواب مسلم شيعى، الخ! وذلك وفقا للقوى الطائفية والتركيبة السكانية كما قلنا دون اعتبار للمتغيرات التى من الممكن أن تطرأ مستقبلا لتقلب موازين القوة بين الطوائف سلبا أو ايجابا، وبالتالى يمكن لأحداها المطالبة بمنصب الرئاسة مثلا! أو ظهور قوة طائفية مسلحة يمكنها تغيير المنظومة " المتعارف " عليها بالقوة وفقا لارادتها أو لارادة الدولة الراعية الداعمة لها، كما حدث بعد رفض الدولة اللبنانية الرسمية لوجود " شبكة اتصالات حزب الله " فى مطار بيروت مؤخرا، وما تلاه من نزول ميليشياته الى الشارع واحتلالها لبيروت، ومحاصرتها لسراي الحكومة بغية اسقاطها، وتوجيه سلاحها الايرانى الى صدور شركاء الوطن والمصير! الأمر الذى عجزت فيه الدولة الرسمية بكل أدواتها عن اتخاذ قرار حاسم حياله، فاضطرت للتراجع والخضوع للأمر الواقع، لتعود ميليشيات الحزب الى قواعدها بعد أن أصابت البنيان اللبنانى بشرخ جديد عميق تصعب مداواته على المدى القريب.
ـ الشاهد أن النتيجة الحتمية لهذا الوضع الغريب كانت تحول تلك " الطوائف " الى دول شبه مستقلة داخل الدولة الأم، دول لها ثقافات وقوانين وأعراف متباينة، ومذاهب دينية خاصة، يتم توظيفها جميعا للحصول على مكاسب سياسية وفقا لقوة كل طائفة وعلاقاتها الخارجية إقليميا ودوليا، دول لها مدن وعواصم ومناطق نفوذ جغرافية ارتضاها الجميع، مرغما أو الى حين! واتفق على أن تجاوز ذلك يعتبر بمثابة اعلان للحرب، للدرجة التى جعلت التجول داخل بعض مناطق الوطن الواحد يستلزم تصريحا خاصا من أصحاب مناطق النفوذ! فسمعنا عن بيروت الشرقية وبيروت الغربية، وعن الشمال والجنوب، الخ! فكانت الخطوة الطبيعية المكملة لهذا الوضع هى البحث عن سبل الحماية، والتنافس المحموم على إنشاء قوات مسلحة خاصة بكل طائفة، ميليشيات، بلغت حد تشكيل جيوش شبه نظامية لها هيكل عسكرى متكامل من ضباط وصف وجنود، واقامة حفلات وعروض عسكرية لتخريج دفعات جديدة من هذه الميليشيات بعلم الدولة ورعايتها وبتغطية من وسائل إعلامها المختلفة وبحضور رسمى لممثلين عن الدول الداعمة لهذه الطوائف! فكان نتاج ذلك تنامى مشاعر الغرور بالقوة وترسيخ عقيدة " أن الطائفة هى الأساس "، وليس الوطن بمفهومه التقليدى!
ـ ودفع استفحال هذا المناخ سياسيا وعسكريا بلبنان الى ان يصبح بيئة خصبة للتوترات والحروب الأهلية التى ليس فى وسع مؤسسات الدولة منع نشوبها فى ظل وجود الميليشيات التى أعدت أصلا انتظارا لهذا اليوم، وفى ظل الحكومات التى يتم " تجميعها "، رغم دستوريتها! لتكون ممثلة عن الطوائف المختلفة ولخدمة وتنمية مصالحها المقتطعة من الجسد اللبنانى ومقوماته وجغرافيته التى لا تتغير! بمعنى أن أى مكاسب إضافية لطائفة ما، هى بداهة انتقاص من مصالح طائفة أخرى، لذلك لا يمكن الحصول عليها إلا عنوة أو نتيجة خوف الآخرين!
وكذلك فى ظل عدم وجود جيش نظامى بمعناه المعروف يخضع لسيطرة الدولة بصورة كاملة باستطاعته تحجيم هذه الميليشيات أو حلها، ناهيكم عن وجود الطائفية داخل قوى الجيش نفسه، بل ان الدولة سمحت، وقتا ما، للاجئين الفلسطينيين المحتمين داخل أراضيها بالدفاع عن أنفسهم ضد الغارات الإسرائيلية دون انتظار حماية منها!
فكان من الطبيعى أن يرفع أولئك السلاح فى وجه أى قوى تهدد وجودهم على الأرض وبقائهم على الحياة بما فيها اللبنانيين أنفسهم، خاصة بعد أن أصبحوا، وأغلبهم من المسلمين السنة، جزء لا يستهان به من التركيبة السكانية للبنان ومصدر قلق طائفى لجنوبه الشيعى تحديدا، الأمر الذى تسبب فى كثير من الصراعات الدموية كمذبحة مخيم " تل الزعتر " 1976 التى (قام بها الجيش السوري، بحق اللاجئين الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر في لبنان، شرق بيروت، وراح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني حيث تم القيام بعمل ابادة جماعية لسكان المخيم بعد قطع الماء والكهرباء والطعام لعدة أيام عن المخيم قبل المذبحة مما سهل الأمر على الجيش السوري وبعض المليشيات اليمينية اللبنانية المتعاونة معهم من تحقيق هدفها والقضاء على المقاتلين المتحصنين بالمخيم وأهاليهم بالكامل حيث قام الأهالي الناجون من المذبحة بأكل لحوم الأموات من المقاتلين ولحوم الكلاب والقطط خوفاً من الموت جوعا) " محمد عبد الغني النواوي ـ الصراع العربي الإسرائيلي " .
وأيضا مذبحة " صابرا وشاتيلا الأولى 1982 (أكثر من 3500 قتيل أغلبهم من الفلسطينيين، شنتها ميليشيات حزب الكتائب المارونى وقوات " سعد حداد " التى سبق وضمت الى صفوفها 2000 مقاتل من عناصر " منظمة أمل الشيعية " لتشكيل ما سمى " بالحرس الوطني " في الجنوب اللبنانى تحت رعاية إسرائيل (مجلة " الأيكونومست يوليو1982 "، وجرت المجزرة بتعاون اسرائيلى قاده" آريل شارون " الذى حاصر المخيم بقواته العسكرية وأطلق قنابله المضيئة ليلا فى سمائه لينير الطريق أمام " جَزَّارِى " الكتائب وحلفائهم!
ثم تلاها فى 1985 ما اصطلح على تسميته " مجازر حرب المخيمات " (شنتها " منظمة أمل الشيعية "، الأب الروحى لحزب الله، بقيادة " نبيه برى" واثنين من أعوانه هما " داود داود وعقل حمية " مدعمة بقوات لوائين من الجيش اللبنانى يسيطر عليهما ضباط شيعة، على مخيمات الرشيدية والبرج الشمالى والجنوب وبرج البراجنة وصبرا وشاتيلا للمرة الثانية، وهى مجازر أسفرت عن ما يفوق ال 3100 قتيل أغلبهم من الفلسطينيين) " أمل والمخيمات الفلسطينية ـ د. عبد الله الغريب "، " نصر الله رئيسا لوزراء لبنان ـ شاكر النابلسى ".
ـ والطوائف فى أى مجتمع، ليس بامكانها أن تصبح ذات سطوة ونفوذ داخلى الا اذا تلقت الدعم الخارجى السياسى والمالى من الدول التى لها نفس الأيدلوجية السياسية أو الثقافية أو الدينية للطائفة، وبالتالى لها مصالح داخل دولتها الأم أو فى نطاقها الاقليمى، أو ببساطة دعم الطائفة لتكون مخلب القط لصالح الدولة الداعمة، دون الوقوف طويلا أو قصيرا عند مسألة الولاء للوطن والُلحمة الوطنية وما شابه مما يأتى فى مراحل متأخرة جدا من أيدلوجيات الطائفة، وهذا هو مدخلنا للحديث عن " حزب الله اللبنانى "، مع تحفظى الشخصى على الاسم.
ـ فلبنان، بشعبه العبقرى المحب للحياة المتميز بمراحل عن غالبية الشعوب العربية، وبالخلفية السياسية المختصرة التى سردتها آنفا، وبموقعه الجغرافى كأحد أهم مناطق " الهلال الخصيب " عربيا، أو" الهلال الشيعى " فى المشروع الايرانى المنشود, إضافة الى كونه يضم طائفة شيعية قوية ذات تاريخ مرجعى يجعلها الأب الروحى، والأم أيضا، لكل الشيعة " الاثني عشرية " على مستوى العالم حتى فى إيران! لكل ذلك أصبح لبنان بمثابة المعبر الأمثل الذى يسمح للساسة الإيرانيين عموما باختراق المنطقة، خاصة مع تاريخية العلاقة المذهبية المشتركة بينهما التى كتب عنها الكثيرون، مثل " وضاح شرارة ـ دولة حزب الله "، " أحمد الكاتب ـ تطور الفكر السياسي الشيعي "، " أوليفيه روا ـ تجربة الإسلام السياسي "، " عبد المنعم شفيق ـ حزب الله رؤية مغايرة "، " حسن غريب ـ مجموعة ابحاث "، " مهدى فرهانى الايرانى ـ هجرة علماء الشيعة "، وغيرهم الذين شرحوا كيف بدأت هذه العلاقة منذ تأسيس الدولة " الصفوية " 1501 : 1722 م، وقرار، أو دهاء، مؤسسها " أبى المظفر شاه اسماعيل الهادى الوالى الصفوى " بالتحول من " مذهب السنة والجماعة "، الذى استمر فى ايران وأغلب المناطق حولها طيلة ما يقرب من الألف عام السابقة على تأسيس دولته، الى المذهب الشيعى الاثني عشري ليصبح المذهب الرسمى الجديد للدولة، ربما ليس عن اقتناع دينى، فلم يكن هناك ما يحتم ذلك، ولكن، فى تحليلى ورأيى الذى قد يحتمل الخطأ، كان رغبة منه فى توطيد أركان الدولة الصفوية الوليدة سياسيا, وتحصينها شعبيا، باختلاق مبرر دينى يظهرها بمظهر جند الله المدافعين عن " مذهبه الحق " وذلك لاكتساب نوع من الشرعية تمكنه من حشد الشعوب الخاضعة لسيطرته ومن ثم تمنحه القوة لمواجهة دولة الخلافة العثمانية القوية ذات المذهب السنى، وهى نفس الايدولوجية الديماجوجية فى ادعاء احتكار الحق والحقيقة للوصول الى أهداف سياسية بحتة عن طريق استغلال الدين التى تمارس منذ بدء الخليقة حتى عند الوثنيين! والتى دائما ما تأتى بنتائج مضمونة على المستوى الجماهيرى، هذا اضافة الى رغبة المؤسس، بنزعته العنصرية، فى استخدام المذهب " الاثني عشري " كسلاح شعبى قومى يحافظ على تفرد وبقاء واستقلالية الهوية " الفارسية " التى كادت تذوب وتتلاشى فى محيطها الاقليمى بعد تلاشى هيمنتها على دولة الخلافة العباسية عقب سقوطها فى الشرق 1258م، قبل سقوطها الأخير فى مصر 1517 م، وبالمناسبة، وبين قوسين (بقيت من دولة الخلافة العباسية امارة وحيدة اسمها " بستك " على الضفة الإيرانية للخليج العربي، ظلت تحت حكم العباسيين من نسل حبر الأمة عبد الله بن عباس رضى الله عنه، وعلى مذهب الإمام الشافعي، الى أن سقطت نهائيا تحت سيطرة إيران الشاه عام 1967 م).
ـ كان المذهب الشيعى الاثنى عشري فى ذلك الحين، أى مع بدايات ظهور الدولة الصفوية، مهمشا خاضعا لنظرية "الانتظار والتَّقِيَّة"، منزويا ومحصورا فى منطقة " جبل عامل " بجنوب لبنان وسط بحيرة اقليمية واسعة تموج بالمسلمين السنة، لذلك كان فقهاء " جبل عامل " يمثلون أهم المرجعيات الاثنى عشرية على الاطلاق بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر الميلادى، وهو ما دفع بالصفويين الى الاستعانة بهم واستجلابهم، مع قلة أخرى من علماء العراق والبحرين، للمساهمة فى توطيد أركان الدولة الصفوية كما ذكرت آنفا، عن طريق ترسيخ التشيع بهيكل فقهى وبنيان دعوى الى جانب ما تقوم به الدولة بحد السيف! ومن هنا بدأ الارتباط المصيرى" الايرانى ـ اللبنانى " وتحولت ايران الى المذهب الشيعي الاثني عشري، وتبدلت المواقف والمواقع لتصبح " قُم " الايرانية قبلة الشيعة الاثني عشرية على مستوى العالم، حتى لأولئك الباقين فى " جبل عامل " حاليا، وليصبح لبنان بؤرة لاهتمام الساسة الايرانيين عموما من وقتها والى الآن، ونستكمل فى حديث قادم ان أراد الله تعالى، ثم أذن مضيفونا، وكان فى العمر بقية .
ضمير مستتر، يقول تعالى:
﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المجادلة: 6].
علاء الدين حمدي