الأعضاء الإشتراك و التسجيل

الملتقيات
ADs

تقرير مــذكــراتي اللــــندنــية

تقرير مــذكــراتي اللــــندنــية


NOTICE

تنبيه: هذا الموضوع قديم. تم طرحه قبل 5316 يوم مضى, قد يكون هناك ردود جديدة هي من سببت رفع الموضوع!

قائمة الأعضاء الموسومين في هذا الموضوع

  1. الحلقة الثانية عشر


    مليكة المغربية فتاة ذات قوام رشيق وجذاب، تبدو أحياناً جميلة لدرجة الغواية وأحياناً أخر بشعة وعيناها مريبة وذلك حسب تقلب مزاجها والوقت الذي ترى فيه، وغالباً ما تكون بشعة بعد العودة من السهر،،، كانت تسكن في عمارة "كوينز كورت" التي تقع فوق مركز التزلج على الثلج قبل محطة الكوينز واي، وهي نفس العمارة التي يقطن بها "محمد رضا" الموظف الدعي في السفارة السعودية في لندن. مليكة لم أعرف طبيعة عملها قط،،، لأنها كانت تنام طوال النهر وتخرج من بعد الظهيرة حتى الفجر تتسكع في حوانيت لندن ومواخيرها، وكانت تستغل جمالها النسبي في غواية العرب العاربة الذين يتصادف مرورهم في الشارع، وأكثر ما تصداد ضحاياها من محل ذهب في أسفل العمارة، بين بنك باركليز والمطعم العربي "تحول الآن إلى بنك إتش بي سي". المحل ليس مثل محلات الذهب التي نعرفها في السعودية ولكنه اقرب في التشبيه لها،، فكل ما يحتويه هو بعض الخواتم والفصوص و السلاسل الدقيقة والبناجر ذات الدقات الهندية. تعرفت علي مليكة أول مرة وأنا أتناول طعام الغداء في المطعم الصيني كياسو المواجهة لنفس العمارة التي تقطن فيها والملاصق للكنيسة الوحيدة في الكوينز واي. وفي هذا المطعم تعرفت على المطبخ الصيني وأحببته كثيراً واستمريت في قصد المطاعم الصينية في كل بلد أسافر إليه حتى هذه اللحظة، وبصراحة كان طلبي في مطعم كياسو الصيني تلك الأيام هو طلب واحد لم يتغير سوى مرة أو مرتين، وهو "صويا شكن آند داك ويذ رايس" وكأني نقلت معي عدوى "الرز البخاري مع الرز البشاوري"، وفي النهاية أطلب الشاي الصيني الأصفر بعد كل وجبة غداء،،،،،،،،حتى أصبح النادل يحضر الطلب لي دون أن يسألني عما أريد ،،،.


    وفي ذلك اليوم الذي عرفت فيه مليكة وكان وقت الظهيرة حينها والجو شاعري جداً في الكوينز واي،،، ودافيء بعض الشيء بعد شتاء طويل وقارس... دلفت المطعم أنا وقاسم اليماني،،، وحصلت على طلبي المعتاد وطلب قاسم شربة بالحلبة الصينية، وبدأنا في الأكل والحديث وفجأة ألقت التحية مليكة علينا ولم نكن نعرف أنها عربية في البداية،، فتبادلنا الحديث معها حتى عرفنا أنها تسكن في العمارة المقابلة وأنتهى الغداء وانتهت معه المقابلة، ولم نعرها اهتماماً يذكر لأنها كانت تسأل أسئلة كثيرة ومعظمها شخصية فودعنها ونسيناها أو تناسيناها..

    في يوم من الأيام وصل إلى لندن شخص سعودي متواضع اللبس ويظهر أنه قليل التعليم لعلاج زوجته في هارلي ستريت كلنك،،،وسرعان ما تعرفنا عليه بحكم الغربة وبسبب الظروف المتشابهة التي كنا نمر بها جميعاً،، فعرفت أن اسمه "معاشي" وهو صاحب مزرعة كبيرة في السعودية وتاجر شعير لا يشق له سنبلة. "معاشي" كان يستأجر أمرأة مقيمة عربية في لندن عملت كمترجمة ومرافقة لزوجته بمئتين جنيه يوميا، نحو 1200 ريال،،، مترجمة أقصى ما تقوله يس/ نو وكذلك "ذا ومن ايز هنقري" ،،، أو الجو بارد في الغرفة"؟ سكن معاشي في البداية في فندق كامبرلاند الموجود في بداية أكسفورد ستريت... ولكن بعد ذلك أقترح عليه الأستاذ عابد وأخي أن يسكن في أحد الشقق في العمارة المواجهة لي بدل الفندق وتسريح المترجمة الفورية لعدم الحاجة لها لخدماتها وسعودة الوظيفة بأحد منا وبالمجان كذلك،،،، وهذا ما حصل...

    استأجر لاحقاً "معاشي" شقة أمام العمارة التي أقطن فيها فوق شقة "جاكو" بدورين وأشترى فيدو وتلفزيون ومايكروف واستريو وكأنها فلبيني حصل على أول راتب له في السعودية. وأصبح يتنزه في شارع الكوينز واي و يرحب كل لحظة وأخرى بالإنجليز بحبور وسعادة باللغة العربية "يا هلا بالإنجليز الطيبين،،،هلووو،،،، وشلون الــوالــد،،،، ويكركر بعد أن يلقي التحية خاصة على البنات الجميلات... كان الإنجليز يبادلونه الإبتسامة رغم عدم فهمهم مايقول،،،، ولكن طريقته كانت كوميدية وتبعث على الضحك خاصة وأن له خشم مضحك يقول هو عن نفسه "لو يعرف الإنجليز الفقع كان سرقوا خشمي،،، يحسبونه فقعه!!،،،خخخخخ .

    وقد توطت علاقتي مع معاشي ودقيت معاه الصحبة وكان هو المراهق وأنا الذي أحاول أن أكبح جماحة في كل شارع يحل فيه أو ملهى يكتسحه، فقد كان يتعامل مع جميع الطبقات في لندن كما يتعامل مع زبائنه من مستهلكي الشعير،،، ولكن للحقيقة وكما أذكر الآن فقد كون صداقة مع الكثير من الإنجليز وأصبح شخصية محبوبة واكتسب شعبية كبيرة يحسده عليها نواب البرلمان الإنجليزي وسياسي الوايتهول ودوننق ستريت، وما أجمل الإنجليز عندما يرحبون به بسعادة عندما يحل عليهم بملابسه المهلهة "ويلكم مستر "مااا آشي" هاو آر يو تودي،،، إتز سو نايس تو سي يو....

    كما وصل لندن كذلك شاب من البطحاء من الرياض اسمه "غزاي"،،، شاب على قد حاله يعمل "باش كاتب" على بند الأجور فيما كان يسمى سابقاً "البرق" وهو جزء من الهاتف السعودي الكحيان "البرق والبريد والهاتف،،، ولاحقاً البيجر ومن ثم الجوال"،،،،،،،،،،،غزاي كان يسوق سيارته العراوي في أحد شوارع البطحاء في الرياض بسرعة عالية،،،،وظهرت له فجأة أو فجعة، لافرق،،، سيارة أمير مشهور لرئاسته أحد أندية الرياض يوماً ما،،،، فأصدمت سيارة غزاي صدمة خفيفة في صدام الأمير الأمامي فحلق ونيت غزاي نحو السماء واستدا كأنه صاروخ سكود مخلفاً وراءه دخان كثيف من عادم السيارة المخروم،،،ثمى هوت السيارة نحو الأرض،، مما استدعى تحرك الأسطول الأمريكي السادس في الخليج العربي وحاملة الطائرات الامريكية 'أيزنهاور' لاشتباه البنتاقون بوجود تجارب على صناعة صاروخ سري عابر للقارات إنطلق للتو من البطحاء،،، لكن الحقيقة أن غزاي وسيارته المسكينة تقلبا حتى تكسرت معظم عظام جسمه وتصدعت سيارته المنتفة في الأصل،،.....الأمير كانا طيباً جداً أشفق عليه فأرسله على حسابه الخاص للعلاج في لندن،،، خاصة عندما حاول انقاذه فأقترب منه ووجده يبكي مثل الأطفال....

    عندما كان يقص علينا غزاي حكاية الحادث النكته الذي وقع له، سألته هل كانت الآلام مبرحة لدرجة جعلتك تبكي مثل الأطفال كما ذكرت؟؟ ،،،،،،،،،،وهل فكرت في الموت والآخرة عندما طارت العراوي في السماء مثل صاروخ سكود وهل قلت في نفسك أنك في طريقك للنزول لأكثر من مستوى الأرض،،، أي للقبر لا سمح الله،،، عندما هوت السيارة مرة أخرى نحو الأرض،،، رد غزاي وقال،،، "أول ما رأيت السيارة تتجه للسماء قلت " يا ساتر،،،،والله شكل الصدمة هذي بتكلف كثير من المال" خخخخخ،،،،،يعني ما فكر في الموت أبد،،،سبحان الله،،،،،!!!! طيب والبكاء يا غزاي ليه كنت تبكي ؟،،، رد وقال "عرفت إن إلي صدمته من نوع السيارة ومن رائحة العود والبخور وبشته الملكي عندما اقترب مني بأنه أمير لا محالة،،،،،، فقلت أكيد أن الخطاء بحيطه المرور علي مية في المية،،، عشان كذا قعدت أبكي والأمير يحسب إني أبكي من الألم"خخخخ....لا والله سلامات يا غزاي،،، ورب صـــدمــة خير من ألف ميعاد وإلا ما كان عمرك بتشوف لندن في حياتك البائسة.....


    بعد أن تعافى غزاي بعض الشيء ذهبنا للعشاء والسهر في "زينون كلوب" بالقرب من فندق رتز،،، أغلق الآن وأصبح مكانه مطعم ايطالي،،،، وكانت معنا مليكة المغربية والتي توطت علاقتها مع "معاشي" المراهق الخمسيني،،،،،"زينون كلوب" أنا من اقترحت لهم الذهاب إليه،،، لأني كنت عازم الذهاب إليه منذ وصولي إلى لندن،،، ولم تحن الفرصة إلا تلك الليلة،،، وتعود حكاية "غزوة زينون" لزمان قديم عندما كنت أدرس في الصف الأول متوسط ،،،، وقد سمعت مغامرة خالي الذي هبطت عليه الثروة فجأة بسبب عمله في العقار أيام السبعينات مما جعل الفلوس تجري بين يديه،،، فذهب في رحلة استجمام طويلة بدأها من إيران،، أيام كانت إيران مقصد السياح والباحثين عن الجمال الإيراني الفتان،، ثم عرج من هنالك للهند ليرى عجائب الدنيا كلها فيها،،،،،، فمصر،،، وعندما لم يجد معاملة جيدة في مصر بسب توقيع السادادت معاهدة كامب ديفيد وانشقاق العرب،،، ذهب للإسكندرية وقفز وسط أول باخرة متجهة نحو اليونان،،،ثم قذفت به الباخرة السياحية فوق رصيف دوفر البريطاني،،،فأستقل أول قطار متجه إلى عاصمة الضباب لندن،،فدخلها شاهراً شيكاته مؤزراً بإذن الله في غرة صفر من العام التاسع والتسعون وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية الموافق لشهر أغسطس 1980 إفرنجي،، وقد كنت أصغ لقصص رحلات خالي حول العالم وأنا أتخيل أني أسير معه أينما حل،،، في غابات الهند مع الأفيال والنمور ومعابد الهنودس،،، وأتوه عندما يصف جمال النساء الإيرانيات وكبريائهن،،،فأصبحت أبحث عن صورة أية إمرأة إيرانية في مجلات النهضة واليقضة أو في الحوادث ومجلة الوطن العربي حتى وقعت يوماً على صورة "فرح ديبا" إمبراطورة إيران السابقة
    وزوجة الشاه الأسبق محمد رضا بهلوي،، فقصصتها وبروزتها بورق مقوى ولزقة بيضاء وركبتها بجانب مرآة الدراجة الخاصة بي، ،،،والمفارقة أني لم أنس ما ذكره لنا عندما كان يحدثنا خلال سهرة في قصر أبي الصيفي في الطائف عما حدث له من مقالب في لندن بالذات،،،فقد أخبرنا أنه ذهب مرة لذلك الكلوب الراقي "زينون" ولم يكن يعرف أي شيء عن أكل الغرب إلا "الهمبرقر" حتى البيتزا لم يسمع عنها بعد،،،، فدخل مع مرافق له وطلب 2 همبرقر وأثنين بيبسي....كان الكلوب راقياً ويقدم آكلات إيطالية وفرنسية،،،فصمت النادل برهة ،،،، ثم قال بأعلى صوته للزبائن الآخرين،،،"انتباه لو سمحتوا،،،،هذا الزبون الصعلوك يريد 2همبرقر و2 بيبسي"فضج النادي بالضحك والقهقهة على محدث النعمة المسكين،،، وعرف خالي بأنه أرتكب خطأ ثقافي عويص،،، فهرب ومرافقه من الكلوب وسط تندر اللوردات والبارونات الإنجليز دون أن يعرف لغز هذه المصيبة،،،،،وقد فسرها له أخي الذي كان يدرس في أمريكا عام 1982،،وأخبره بالمصيبة التي عملها....بعض صور خالي القديمة التي رأيتها له في لندن استغربت أصلاً كيف سمح له بالدخول في ذلك الكلوب،،، فقد كان يلبس كرفتة برتقالية نحيلة من الأعلى وتصل نصف صدر لتنفرج بعرض أكثر من 30 سم ومليئة بالألوان الصفراء والبرتقالية والزهرية،،، وشعره يقطر دهناً من كريم قديم معروف باسم كريم ليدا " ابو ورده" (علبة بيضاء بلاصق أسود) وفي يديه دخان أبو بس وله شنب عراقي مفتول،،، والجاكيت ضيق جداً يحتاج خمسة رجال لزر الزرار،،، والبنطولن شارلستون ضيق من الأعلى وينفرج عند الساق كأنه مشقوق عند النظر إليه من الجنب. لكني كنت قد صممت على اقتحام الكلوب اقتحام الفاتحين،، قد يكون رد اعتبار لخالي،،، أو للأخذ بثأر العائلة كلها من ذلك النادل النذل،،، فقد عرفت الكثير من الأكلات الغربية ويمكنن أن أطلب بثقة ماهو صحيح دون خوف أن أخطيء ماذا،،، وأين أطلب،،،،،، والله يخلي الدايننق هول في أرامكو إلي علمتنا حتى طريقة الأكل بالشوكة والسكينة... عموماً،،، عندما أقتربنا من الكلوب نظر إلينا الحراس نظرة ازدراء من البداية،،وكأنها بدأت المعركة،،،بسبب الكوكتيل الغريب الذي يرونه شاخصاً أمامهم،،،،حسبونا في البداية غجر أوربا،،نريد أن نقوم بالرقص والغناء أمام الكلوب لجمع قوت يومنا،،،فهذا بدوي منتف في ملابس مهلهلة،،، لايكف عن الضحك والتهريج بالعربي مع الإنجليز،،، وغزاي بعكازاته وفنيلة الهلال تحمل رقم 9 وأنا يعني أمشي الحال ومليكة لا بأس بها،،ولكن شوشتها المنفوشة لكم عليها،،،،، في البداية رفض الحراس دخولنا وتعذروا بعدم لبس غزاي و معاشي للكرفتة واللبس اللائق،،،،لكن مليكة النصابة ضحكت على الإنجليز وأدعت أن "معاشي" و "غزاي" فنانين ورسامين سيرياليين لا يشق لهم غبار قادمان من بلاد الشرق،،، فأفسح الحراس لنا الطريق وفتحوا جميع الأبواب الموصدة وحيونا ورافقونا للداخل حتى أنهم أجلسونا على طاولات مميزة,,,,,وهذه من الأشياء التي تعجبني بشدة في هذا البلد العريق،،،، فهنالك نظام وهنالك لبس معين لإرتياد بعض الأماكن وبرتكول لا يمكن التنازل عنه لكائن من كان،،،، ولكن دائماً يستثنى الفنانين والموهبين مثل الرساميين والنحاتيين والموسيقيين والذين يفكرون دوما خارج المؤلوف من تلك الأشياء لأنهم يعتبرون أن عقولهم هي ثروتهم ولا ينظرون إلى أشكالهم أبداً.... ونحن في الشرق نحكم دوماً على الشخص من لبسه،،،، فكم مرة رأيت رجلاً يلبس الثياب الجميلة والبشت الملكي وما أن يتحدث حتى تلعن اليوم الذي جمعك معه وجعلك تضيع وقتك في الإصغاء إلى جهلة المركب........أذكر لما دخلنا "زينون كلوب" أن أبدى لي "غزاي" والذي كان يسمي كلوب زينون "كوب زيتون" حرفنة عالية بالتزامه بأتيكيت مائدة الطعام،،،من أين يبدأ وماذا يطلب وأي كوب على الطاولة هو الخاص به دون غيره،،،،،،، فقد طلبت لي Sirloin Steak ،،،،وطلبت له طبق فوتوشيني الايطالي اللذيذ لعله يرتقي بذوقه في الطعام،،، وعندما أتى طلبي قبله وهو الإستيك،،،، سحب الصحن ناحيته وحاول تقطيعة بالشوكة والسكينة وعندما يئس من ذلك، قام وأنا أتابعة بدهشة بأكله بكلتا يديه،،، ودون أن ينتظر طلبه طبق الفوتوشيني ،،وعندما أتى طلبه لاحقاً أخبرني أنه كان يعتقد بأن الإستيك كان مجرد مقبلات،،،،،فقلت له والله الشرهة مهي عليك ،، الشرهة على الأمير إلي صدمك وجابك هنا،،، المفروض قضى عليك،،،أو عالجك في مستشفى الشميسي ... خخخ،،،،

    ومع مرور الأيام لاحظت أن مسيو "معاشي" بدأ يتمادى في اللهو واللعب وكأنها ردة فعل من الحرمان الطويل الذي عاناه خلال "سنوات الشعير" وزبائنه من تجار الغنم الأجلاف الحفاه،،، وكيف لا ،،،وقد ودع أحواش الخرفان ورعيانها والزرائب المنتنة على غفلة من الزمن،،،وهاهو يتمخطر في جنبات حديقة جيمس بارك بجوار قصر الملكة اليزابيث ملكة انجلترا وحول بحيرتها التي تسبح بها جميع أنواع الطيور من الأوز والبجع والسناجب الوديعة تقفز أمام ناظرية بدلاً من الجرابيع والضبان،،، ويسمع بإذنيه خرير الجداول الرقراقة والخضرة الدائمة والأشجار المتهادية والحمام يرفرف فوق خشمة الذي كانت تعافه الذباب،،، والطامة الكبرى التي لم يحلم بها يوماً ما هو أن يرى بنات الإنجليز الشقروات تحطن به من كل صوب ،،،بعد أن يئس من جلبة قطعان الأغنام والإبل....بل أن الحال وصل به إلى أصبح يزدري وينتقد الشعير وينتقص منه وهو مصدر رزقه الوحيد والذي جعله يلعب بالأموال كأنها ورق في يديه في أسواق وحانات لندن،،، وأخذ يقارن بين خرفان الإنجليز التي تأكل من الأعشاب الطبيعة ومياه الأنهار،،،، وقال بكل صراحة،،، إن ما تأكله الأنعام لدينا هو ماهو إلا خشاش الأرض ونفاياته،،، وأن لحم الجرابيع هو أنقى من لحوم الأغنام لدينا،،،........،،، آلآن تقول هذا الكلام يا معاشي..!!!!؟؟؟

    لكن لأن المراهقة في الكبر أخطر منها في الصغر فقد وقع "معاشي" في شر أعمال مليكة المغربية،،، ففي يوم من أيام لندن الجميلة،،، كنت سائراً نحو المطعم الصيني للغداء مع قاسم اليماني،،، ورأيت معاشي في محل الذهب متأبطاً مليكة يبتاع لها بعض الحلى الذهبية فاغراً فمه كالأبله ويوزع الإبتسامات لأصحاب المحل والزبائن وكذلك الناس الذين يمرون في الشوارع.... حييته وقلت لقاسم أجزم أنه وقع ضحية لها ولن ترحمه مليكه ولن تتركه حتى تسلب منه ما قيمته محصول عام من الشعير....، دخلنا المطعم ونحن نرقبهم في الجهة المقابلة،،،، ورأيناه يتجه لشقتها في نفس العمارة وهو يحمل بعض من الهدايا وأكياس مليئة بالعصيرات لزوم السهرة..بعد الغداء قررنا أنا وقاسم أن نذهب لشقة مليكة وكأننا لا نعرف أن عندها أحد في الشقة. فتحت لنا مليكة الباب ونظرت إلينا نظرة إزدراء وكأننا شحاتين على الباب،،،، وقالت "فووووووتو" يا حــوالــة،،، لم أكن أعرف معنى حــوالـــة باللهجة المغربية آنذاك،،،واكتشفت بعد عشر سنوات بأن معناها "خــرفان" حسبي الله عليك يا مليكة أثر عليك معاشي أبو الشعير فأصبح ضيوفك خرفان،،، ما علينا،،،،دلفنا إلى الصالة،، وإذا بمسيو معاشي يرمقنا بنظرة أكثر إزدراءً وغيضاً وكأننا أيتام اقتربنا من طاولة لئام،،،،،،،،،،،،،،،بيد أن فضاوتنا ولقافتنا وحب المغامرة كانت هي الدافع لأن نكون ضيوف عليهم ولو بالقوة،،،وبنخرب بنخرب،،،، وإلي يحصل يحصل...

    عملت لنا مليكة شاي مغربي لم يشرب منه قاسم شيء،،، وقال "يا قني "جني" إنت تثق في هذه المخبولة تحط لك منوم وإلا سم" ضحكت عليه وشربت الشاي بعد أن سميت بالله الرحمن الرحيم... لما ذهبت مليكة إلى التواليت ذهبت للمطبخ المقابل للبحث عن سكر، حيث كان الشاي سكره ناقص......وعندما فتحت الدرج تفاجأت بزجاجات معباً فيها ضفادع وثعابين داخل زجاج في مادة مثل الزيت خضراء اللون،،،، وأخرى أشبه بعروق الأشجار الصغيرة والأعشاب الغريبة.....اشمئزيت من المنظر وأقفلت الدولاب في نفس الوقت الذي دخلت فيه مليكة المطبخ،،، وسألتني عما أبحث فأخبرتها عن السكر وأحضرته لي على مضض.

    طلبت من قاسم الخروج وودعناهم وأخبرت قاسم ونحن في المصعد عما رأيت في الدولاب ،،،،فقال "ما قلت لك يا قني هذي الحرمة مشبوهة والله إنها سحرتكم اليوم؟؟؟" الله يعينك يا نديم،،،،،!!!! نزلت كلمات قاسم علي كالصاعقة وتعكر مزاجي بسرعة وفارقته لأذهب إلى الشقة لأرتاح بعض الشيء بعد أن شعرت أني لست على ما يرام بعد أن شربت من شاي مليكة،،،،، وفي الطريق نحو الشقة بدأت أقرأ بعض آيات القرآن الكريم الخاصة بالسحر التي أحفظها عن ظهر قلب ،،،، وفعلاً،، أو قد يكون ذلك كله نفسياً كما أعتقد الآن،،،أو أنها وضعت في الشاي بعض المخدارت والله أعلم،!!!،،،،، أحسست وكأني يئست فجأة من الحياة وكل شيء حولي أصبح مخيف ولم أشعر قط بعدم الآمان مثل ذلك اليوم من عمري،،، حتى نظرات الناس لي أصبحت أشعر أنها تؤنبني وتقول لي أنت مذنب يا نديم ،،، أنت أسئت إلي كثيراً يا نديم،،، بالرغم من أنهم أناس أراهم لأول مرة في حياتي،،،شعور غريب بالذنب والدونية دون سبب واضح،،،، حتى أني شعرت بأن عواميد الإنارة تنتظر اقترابي لتهوى على رأسي فتقتلني،، فأتحاشى المرور من جنبها وأهرب للرصيف المقابل،،، حاولت أن أقاوم وأضحك بأعلى صوتي وأقول أنني دوماً سعيد،،،بل أني أسعد الناس في لندن،، فخرجت من ضحكة متقطعة لا معنى لها،،، وتحولت نهايتها إلى حشجرة فبكاء وأنين حزين,,,, لو سمعها انس أو جان لبكى معي دون أن يسأل عما بي...!!

    ذهبت نحو الفراش ونمت وأنا وجل وخائف حتى من سماع صوت العصافير الذي يأتي من شباك غرفة النوم،،، وبالرغم أني لست متعوداً على النوم في أوقات العصريات،،، إلى أن النوم تمكن مني بسب ما أحس به من تعب وإرهاق،،،،،وبدأت الكوابيس تتلاقفني فأرى نفسي وأنا أتوضاً في مكان نجس، عدم المؤاخذه،،، وكلما أحاول أن أنتهي من الوضؤ وأصل لقدمي في نهاية الوضوء أبدأ من جديد في المضمضة فأنسى ترتيب الوضوء،،،،،،،،،،،،،،،،،،وحول قدماي ثعابين وكلاب في نفس المكان النجس. ...

    ومن عادتي منذ كنت صغيراً عندما يمر علي كابوس أثناء المنام،،، وعادة يكون كابوس بسيط، ليس كمثل كابوس ذلك اليوم،،، أن أبدأ وأنا نائم بقراءة آية الكرسي فأشعر بالطمأنينة وينجلي عني أي حلم مزعج مهما كان،،، لكن هذه المرة لم ينجلي أبداً ،،،،، فصحوت فزعاً من النوم وأنا أحس كأن جبلاً على جسمي وشقي الأيمن من الأعلى حتى أخمص قدماي متنمل وشبه مشلول ،،،،، بصقت عن شمالي ثلاثاً،، واستعذت بالله وانتظرت حتى أفقت تماما ونظرت إلى الساعة فعرفت أن صلاة العصر قد فاتت منذ زمن بعيد،،،، فأتجهت متثاقلاً إلى الحمام لأتوضاً وكأني قد نمت مع أصحاب الكهف،،،، فتحت صنبور المياه فتدفقت المياه الباردة وفتحت الصنبور الأخر الدافيء وخلطت الماء بيدي بسرعة حتى تتوازن حرارة الماء،،، وهذه عادة غريبة من عادات الإنجليز أن يكون كل صنبور يعمل لوحده دون وجود خلاط رغم حاجتهم أكثر من غيرهم لوجود خلاط بسبب برودة الجو معظم أيام السنة,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,خلطت الماء وغسلت يداي وتمضمضمت وغسلت وجهي وعندما هممت بغسل يداي حتى المرفقين،،، نظرت لصورتي في المرآة فلم أجدها أمامي،،،،ووجدت صورتي بعيدة وأنا أجلس في أقصى الحمام ،،،، جحظت عيناني وحاولت أن أستدرك ما أرى فنظرت مرة أخرى لأرى صورة طفلة صغيرة بدل مني تنظر لي بنظرة غريبة كنظرة الموناليزا، ،،،، كدت أجن من شدة الرعب وهربت من الحمام وأنا أكاد أحس أن شعر رأسي سيطير مني بسبب الخوف والرهبة واتجهت لخارج الشقة وعدوت نزولاً نحو الأسفل وقابلني البواب السكير "آلتون"،،، وسألني ما الخطب،،،هل هو حرامي أم حريق في الشقة،،،،،لم أجبه وخفت منه هو الأخر،،،، وعندما وصلت للشارع استدركت أن الناس ستعتبرني مجنوناً إن واصلت العدو دون هدى،،،ففكرت بالعدو نحو أقرب صديق لي في الكوينز واي،،، واتجهت لمطعم رمضان الذي يعمل فيه زميلي المصري في مدرسة اللغة حمدي المصري،،، وسرعان ما وصلت المطعم ودخلت حافي القدمين نحو المطبخ الداخلي وكان في وقتها مشغول في تقطيع الخضروات،،، فهاله منظري وتسائل قبل أن أتحدث،،،،"أخوك قرى له حاقة يا نديم****قلت لا يا حمدي أنا إلي جرى ليه حاجات أنا تعبان يا حمدي،،،، العفاريت تلاحقني ،،، أكاد أن أفقد عقلي،،،، أجلسني حمدي وأحضر لي كوب من الماء وسمع الحكاية كلها فلم يستسغها وقال بكل رجولة وشهامة أعادت لي توازني ،،،،قم معاي،،، قلت له وين يا حمدي،،، قال نروح الشقة،،، قلت معقولة نروح الشقة،،،،، رد علي وقال،،،إلي تخاف منه إبدأ فيه،،، وفعلاً أحسست بقوة داخلية ومقاومة بدأت تدب في أعماقي،، مهما كانت صغير،،،فقد كنت أحتاج ذرة منها في ذلك الوقت،،،، وأحضر حمدي معاه سكينة ،،، فضحكت رغم الفزع وقلت بتقتل عفريت بسكينية يا حمدي،،، رد ،،، لا يا نديم،،، إحتياط بس....وصلنا الشقة وكان البواب يقف عند بابها يحرسها بعد أن تأكد من عدم وجود سؤ فيها،،،، وتجولنا في الشقة وأشغلت سورة البقرة بصوت الشيخ علي جابر ولبست ملابسي وأتجهت لأخي بعد أن شكرت حمدي وأطمأنت نفسي بعض الشيء.

    وصلت لأخي وقرأ كالعادة مافي عيني وسألني ما الخطب،،، فقصصت عليه القصة بحذافيرها،،،، وكان أخي يوماً من يؤم الناس في أحد المساجد في مدينة العمال رغم صغر سنة ويقرأ على من به ضرر من وقت لآخر،،،، فقرأ علي بعض الأيات فتذكرت وأنا أصارع الألم الداخلي سخريتي على بريصة يوماً من الأيام عندما قرأ عليه أخي،،، وأحسست أني أنا من يتلوى في مكانه وبكيت والله بكاء مثل الأطفال وأحسست بألم في جانبي الأيسر من البطن وكلماته التي لم أنساها "اصبر وابشر بالخير يا نديم،،، اصبر قليلا" ثم يعاود القراءة،،،،، حتى أنهكتني القراءة ونمت على الكنبة التي بجانبه نوماً عميقاً دون شيء يذكر هذه المرة،،غير أنه أخبرني أنه كان يرتعش جسمي"أنز" بين فترة وأخرى وأنا نائم... وعندما استيقظت أحسست براحة كبيرة ولكن النوم ما زال يغالبني، فأشار علي بأن أذهب لأحد غرف المستشقى المجاورة والتي لا يوجد بها أحد وأغلق على نفسي الغرفة وأقرأ سورة البقرة ثلاث مرات لمدة ثلاث ساعات متواصلة....................ولله الأمر من قبل ومن بعد،،،،،،،،،،،،،،،،،،،والحمد لله،،،، فقد خرجت من الغرفة وكأني قد شحنت بطاقة إيمانية وثقة بالنفس وسعادة تكفي عشرة رجال،،،، وضحكت من تصرفي الجبان الذي قمت به وأقسمت أني سأنام لوحدي في الشقة رغم اعتراض أخي الشديد والذي طلب مني بأن أنام معه في المستشفى هذه الليلة على أقل تقدير..........

    بعد أن زالت الغمة بدأت أقترب من الله أكثر وأحافظ على وردي وأتمعن في الآيات التي أقرأها في اذكار الصباح والمساء،،،، فهدأ روعي كثيراً والحمد لله،،،،،،،،،،،،،لكن مازال معاشي في ورطه وكان من واجبي أن أمد له يد المساعدة ما أستطعت،،،، فقد لحظته في يوم لاحق من شباك شقتي وهو يقوم بإنزال جميع الأجهزة المنزلية التي اشتراها من شقته فنزلت مسرعاً نحوه وألقيت عليه التحية وتفحصت وجهة فعرفت أنه في خبر كان وسألته أين سيذهب بهذه الأجهزة،،، وأتذكر كلمته إلى الآن ولها نحو 24 سنة "هذي الأجهزة بوديها لحبة القلب مليكة الكيكة" فعرفت أن مليكة قد تمكنت منه وأنا بدأ يعمل استربتيز لشقته ونقل كل محتوياتها في جنح الليل وأطراف النهار لها،، فقررت الذهاب مع حامد المصري وقاسم اليماني وفارس الإيراني لشقة مليكة في وقت لاحق عندما يختلي بها معاشي لنرى ما وصلت له الأمور بأعيننا....وصلنا بعد أن تأكدنا من نافذة المطعم الصيني أنه دلف نحو عمارة كوينز كورت،،، فطرقنا مرة أخرى الباب بعد أن قرأنا كل الأيات والسور التي نحفظها مراراً وتكراراً، ففتحت الشريرة مليكة الباب لنا وعندما رأتنا كشرت عن وجهها وحاولت طردنا ولكنا دخلنا بقوة فهالنا ما رأينا،،، ويا خسارة ويا حيف على الرجال،،، فقد كان "معاشي" فارس الشعير المتخلف يربط وسطه ويرقص ويتمايل على أغنية "اتمخطرى يا حلوة يا زينة، يا وردة من جوه جنينة."وهو غائب عن الوعي تماماً،،،، وعندما رأنا لم يستح على وجهه بل دعانا بكل بجاحة مشاركته الأفراح وهو يقول "عيشوا ليومكم يا شباب لا تضيعون عمركم مثلي وأنا ألهث خلف الشعير والبعرة والبعير...!!!!"" ،،،،نصحناها وأخبرناه أن مليكة ماهي إلا ساحرة شريرة تقوده للتهلكة،،،،، لكنه غضب منا وفك الحزام عن وسطه الأغبر،،،،،وقال "أننا مراهقين صيع وأطفال نتدخل فيما لا يعنينا،، وأنه غلطان إلي أعطانا وجه من البداية"،،،، فتأكدنا أنه لافائدة من الحديث مع، فتوجهنا لمليكة وأغلظنا الحديث معها "صايرين هيئة على غفلة" وهددناه بأنا سنعاقبها بأيدينا قبل أن نشتكيها،،،،فردت لمن ستشتكوني للبوليس،،،، قولوا للبلويس أني ساحرة،،،، هل تعتقدون أنه سيصدق قصص الشرق الخيالية،،، ولعلمكم توقف حرق الساحرات في أوربا من القرن السادس عشر،،،،برا،،،،برا،،،،!!!!!!!وصرخت علينا باعلى صوتها بأنها ستسحقنا وتحطمنا تماماً إن لم نخرج،،،، تحديناها وقلنا لها لو كنت رجلاً لأوسعناك ضرباً وكسرنا عضامك، لكن ستعلمين من يضحك أخيراً أيتها الساحرة الشريرة القبيحة،،،،،.

    أخبرت لاحقاً الأستاذ عابد وأخي عن مصيبة "الراقصة الجديدة على الساحة،،،معاشي" وما آل إليه حاله من التردي وأنه يحتاج للمساعدة منا بأسرع وقت ممكن خاصة أن زوجته المسكينة تعاني من المرض وتحتاج رجلاً حريصاً يرعاها كل الوقت وأخر ما تحتاجه رجل مسحور يهز وسطه عند النساء،،، وكان الرأي الأول أن نخبر السفارة السعودية في لندن، أو أي أحد من أقربائه يمكن أن نصل إليه عن طريق زوجته ،،،، ولكن لم ينتظر الأستاذ عابد العتيبي أحداً وسحب معاشي بكل قوة من عند زوجته وأحضره إلى أخي وقال إقرأ عليه ،،،، وعندم أعترض معاشي أمسك به الأستاذ عابد بكل قوة وطلب مني أن أساعده،،، وبدأ أخي يقرأ عليه وكانت حالته يرثى لها ولا يمكن وصفها من سوؤها،،،،،،، وأستمر أخي في القراءة عليه مدة أكثر من أسبوعين،،،، هدأ بعدها معاشي،،وبدأ يستعيد توازنه ويذهب للمركز الإسلامي للصلاة في معظم الأوقات،،، وحلف وأقسم بعدها بأنه لنا لن يسير في الطريق الموحل الذي وقع فيه مرة أخرى،،، وعاد عوداً حميداً وتأكدت من ذلك عندما اشترى ثلاجة ومايكرويف وتلفزيون وفيديو من جديد، وبدأ يثني على الشعير السعودي المجفف ويجزم بأنه أفضل من العشب الإنجليزي الطبيعي ،،،لأنه يضيف نكهة سرية للحم الخرفان النعيمي والنجدية وطز في خرفان الإنجليز...

    7 "
9 من 17 صفحة 9 من 17 ... 4891014 ...
ADs

قم بتسجيل دخولك للمنتدي او

الانضمام لمبتعث

Search Engine Optimization by vBSEO ©2011, Crawlability, Inc.