جرح الكبريـاء
(4)
الشيء الوحيد بكثرة هو العدل المنتشر في البلاد ، تجوّلت جواهر في المعهد وأعجبها تنظيمه وروعة الاستقبال وأشياء أخرى ، اختبروها لتحديد مستواها فوجدوا أنها ممتازة جداً في اللغة ، لكنها تحتاج إلى قليل من التطوير في الكتابات الأكاديمية ، الذي قد يأخذ مقدار ثلاثة أشهر ، غادرت جواهر لأنها كانت متعبة قليلاً لتأتي في الغد لتشهد مناسك لها .
في الصباح دخلت جواهر إلى الفصل ؛ وإذ بالمفاجأة الكبرى التي تخشاها بعض السعوديات ويتمناها غيرهنّ ، وهو وجود الطالب السعودي ، لم يكن بالطبع لدى جواهر أي تحفّظ لكنها ذُهلت جداً من رؤية أحدهم ، الإعجاب الذي يأتي فجأة يكون صداه مدوّياً في النفس ، لا يوجد أي سبب منطقي فاقد العثرات يجعلها تذهل كما بدا عليها ، جلست بهدوء لئلا تصيب الذهول الذي دخلها بكدمة ، ثوانٍ مرّت عليها على هيئة لوحة فنيّة طويلة تحكي قصّة حب طويلة جداً انتهت لتبدأ من جديد ، الألوان في مرحلة الحب هي الأحلام وحدها ، بالطبع هي لم تدخل دين الحب بعد ، لكن بشريات نوفلية تفيد بأن الأفق المشاعري سيتسع وينير .
أتعلمون من هم الجيولوجيون ؟ إنهم بكل بساطة حمقى الطبيعة .
أتعلمون من هم الفيزيائيون ؟ إنهم بكل صعوبة فوضى الطبيعة .
أتعلمون من هم السعداء فعلاً ؟ إنهم بكل شجاعة الجِبِلّيون .
الجيولوجيون ليسو حمقى ، بل هم علماء ، وأحترم قدرهم ، كذلك هو شأن الفيزيائيين ، إلا أنني أستغرب من عكوف بعضهم سنين من أجل انتظار ثوران بركان ليعلموا ما تخبئه الأرض من جواهر ، كم أحب منهم من يعمل من أجل إنذار الناس لكنهم قليل .. قليلون جداً .. كانعدام الطبيب الذي يصرّ على مواصلة الإنقاذ مهما شعر بأن المريض أمامه سوف يموت ، كانت تصرّ كاتبة "رؤية ذاوية" على أستاذ لها في قسم الإنسانيات بألاّ يطلق كلمة الإنسان جزافاً لأي عابر سبيل ؛ فالإنسانية غدت مفقودة عند البعض انتهاءً ، كيف لا وإحدى الدول الافتراضية صارت تسيطر على سياسات دول واقعية ،
لا شيء غدًا يملأ الإنسان فألاً .. سوى شيء واحد ، ولئلا أكون ظالماً فإنهم أمران .. ولأكون منصفاً أكثر .. إنه لا شيء سوى الحب .
سألت المدرّسة جواهر بأن تتحدث عن مدينتها ، فانطلقت جواهر بمنطق سليم وعقل مستنير تتحدث عن الخبر الساحلية ، الخبر لا تستطيع مقارنتها بدبيّ لأنّ الاستثمارات بها محدودة جداً ، ولا تستطيع مقارنتها بالبحرين ؛ لأن المشروبات غير الروحية محرّمة بها جداً في العلن ، كذلك ليس من منطق القول بأنك تستطيع مقارنتها بالكويت ؛ لأن ليس فيها أي برج سوى شيء يشيّد هذه الأيام يُقال في المجالس إنه برج لوزارة الصرف الصحي ، لكن الحق يُقال .. إن الخبر تفوح شذا بطيبة أهلها وحبابتهم ، لولا عبث بعض أهل العواصم بها !!
واصلت جواهر حديثها عن الخبر وهي في الحقيقة تكتشف نفسها بمعلومات دفينة تتضح معالمها عندما تقال ، تغشى الإنسان ساعات يتحدث بها عن نفسه ليقتنع بشيء ما فقده في السابق ، أو أنّه على مشارف النسيان .
يزيد .. جالس مستمتع بما يسمعه من جواهر ، إنها تحكي عن الوطن .. وهل للأوطان عِوَض إذا فُقدِت ؟!
فجأة سألت المدرسة يزيد عن صحة كلام جواهر لكن بطريقة مهذبة ، أجابها بكلمات لم ينظمها قبل في أي عقد حديث ، بل انطلق لسانه عفويّاً بها ، أجاب يزيد : " ما كان لهذه الشخصية أن تتحدّث بشيء غير صحيح " ، انطلقت من حينها ألعاب ناريّة وضّاءة في سماء جواهر .. أضاءت للمعذبين في قبورهم دروب الجنّة ، لم تتخيّل جواهر لحظة واحدة أنه يوجد إنسان على أرض المعمورتين (الأرض والقمر) من يمدحها بما سمعت وبصورة عفوية وبطيب نيّة ، تهلّل وجهها حتى شعر الجميع بأن يزيد يخطب حب جواهر ، انتبه يزيد لذلك فأردف : " إنني لا أقصد شيئاً سوى أنها صادقة " ، ابتسمت المدرّسة وهمست لها : " إنّه أحبكِ من النظرة الأولى " .
لماذا يغيب على بنات المجتمع أن الحب ليس مجرد كلمة تقال أو هديّة يكتب عليها ، هذه كلّها ظواهر يقترفها الجميع بلا استثناء حتى بين حكّام الدول المتخاصمة ، ألا يُرى كيف أنهم يدخلون حرباً فيموت الملايين ؟! وهذه أجمل هديّة لدى الحكّام الظلمة بأن يساهموا في تقليل الشعب ، عندما تحين ساعة التعداد السكاني يُخبت بعضُ الحكّام لربّهم بأن تكون نسبة المسنّين عالية لتندثر أحلامٌ بالملك ، ثم في الليلة الأخرى يأتيهم كابوس تكلفة المستشفيات التي لا بد أن تستوعبهم .. مُضحك هذا الصنف من الحكّام لأنهم بين نارين : التعليم والصحة ، أحدهما للناشئة والآخر للمسنّين .
جواهر لم تكن آبهه بأي تحرّك سياسي أو اقتصادي .. أو أي شيء سوى الاستقرار ، عادت وكأنها تطير من الفرحة مما سمعته من ذلك الفتى الوسيم ذي الأخلاق العالية و الثقافة المطّردة ، قد يُتَعجبُ من تفكيرها ؛ فهذا ديدن المحبين غالباً .. يخطّطون و يلونون و يعيشون في العالم الخيالي لأنها تكسبهم دفئًا مشاعريًا وحياة رائعة بحق .
قضت جواهر ليلتها تبحث عن قصص حب سعودية ، لم تجد الكثير ؛ لأن السعوديين غالباً ما يحبّون بتخفٍّ داخل حدود الوطن وبعنجهية وتملّك في الخارج ، يبقى مذموماً ما حيا ذلك الشخص الذي يشيع قصة حبّه للجميع إلى أن يعلن توبته ويصبح عضواً في الشرطة الدينية أو مؤذناً أو داعية ، وسّعت نطاق بحثها للخليج فوجدت قليلاً وكلّما اتسع نطاق البحث كانت النتائج تزداد ، غاب عنها أن زيادة المساحة توجب تغيّراً في النتائج وليس لسبب آخر .. كتبت تبحث عن أشعار حب فوجدت شاعراً يُقال له نزار قباني يكتب في منتديات مختلفة بنفس العنوان .. لكن بعض الأبيات تختفي لكون إسلامية بعضها مما يحتم على المشرفين عمل شيء من الماكياج ، بعد التأكد من خلوّ الكاميرات وغيرها من أسباب الفتنة .
بكل تعقيد ذهلت بفتى اسمه يزيـد ، وبالرجوع إلى الأرشيف الكوكبي نستفيد الآتي :
يزيد ، شاب يافع تطير من أغصان عوده أطيار الأخلاق والنبل ، وتسكن عائلته مدينة الدمام ، إذا مشى في طريق فإن الجميع يطرقون احتراماً لذاته ، وكأن الملائكة تفرش له الطريق ، ومع ذلك فإن التواضع هو عنوان كيانه .
يزيد ، نشأ في عائلة متوسطة الدخل المادي وغنيّة جداً في الحياة المعنوية والاستقرار الأسري ، هذا الغنى الذي يتمنّاه أغنياء العالم قبل فقرائهم ، كان يقرأ يزيد في يومه علوماً مختلفة تأخذ حجم ثلاث ساعات رملية من نوع فرعوني ، كان يؤمن بأن النهضة للمجتمع تأتي من خلال أفراده وليست من الشعارات الرنّانة ذات الطابع الناصريّ .
يشعر الإنسان بالتيه عندما يحب ، ويزداد تيهاً عندما يعجز عن إيجاد فرصة للتعبير ، كيف ستبدأ فتاة ساحرة الجمال في إيضاح حبها وعظمته ليزيد ؟! هل تتظاهر بالخوف ومدعاة الشفقة لتنال قربه ؟! لم يعد في سماء تفكيرها سوى نجم واحد هو بالتأكيد .. يزيد .
تنام لتحلم به ، تستيقظ لتراه ، تضحك خداعاً لنفسها وكأنها معه ، تبكي على فراقه ، كل مظاهر الحياة غدت ذات معنى أصيل من عمق اسمه وصوته وصورته ، أحبت عطره الذي استنشقت معه الحياة ، هل تتحوّل إلى اليزيدية لتكسب شيئاً من معانيه ؟!
يهون كل شيء .. كل شيء .. من أجل ... يتبع لاحقاً
ابراهيم اليحيى June 25th, 2010, 06:10 PM
7 "
June 23rd, 2010, 07:59 PM
(1)
لا يوجد في العالم سوى جميلتين : أنتِ و أخرى تشبهك ، رسائل تزداد رونقاً كل يوم لجزالتها العاطفية ، كان يخشى أن يصاب بحبّ أعجمي لكثرة من حوله من الفتيات ذوات البشرة الملائكية ، كل أحلامه سخرت من نفسها حيال الواقع الذي شهده ، حتى الأحلام بدت وكأنها متكبرة تحت ظلال جرح الكبرياء !!
إنها من عائلة غنيّة جداً تسكن في مدينة الخبر الساحلية ، هذه المدينة التي هي مجمع الفقراء و الصالحين و المتواضعين و السارقين و المتكبرين ولا ينبئك مثل خبير ، بالطبع ؛ فمدينة الخبر لا تخضع لـِ " كما تكونون يولّى عليكم " ؛ لوجود المتناقضات بها ، إنها فتاة لها من العمر 23 عاماً قضت رُبْعها في أُوروبا وبقية عمرها كان هالة من الأفراح تقدر بمئات أعمار البؤساء .
جواهر ، لها بياض كالندف بحمرة الورد ، من رآها ظنّها لؤلؤة مكنونة في بحر الخليج ، كانت تكبرها فتاة لها جمال خلّاق يحفل بأحلام الأمراء عبيدو المال ، والدها توفي وعمرها لا يعدو خمس سنين ، بدأت مرحلتها الدراسية في مدارس الحصان الأهلية ، وأتمّت فيها المرحلة التمهيدية والابتدائية والمتوسطة وأخيراً الثانوية ، وذلك بالمقياس السعودي للتعليم ، أما بالنسبة للمقياس الفنلندي للتعليم فإنها أتمّت المرح في حضانة للأطفال بتقدير جيّد !!
أختها مثقّفة جدًا ، بل وكاتبة بارعة ، تتصفح يوميّاً موقع الساخر و جسد الثقافة و شبكة المعالي بكل رشد وحيوية ، تتابع بشغف ما تكتبه إيمان القويفلي ونجيب الزامل والسيّد ولد أباه عبر جريدة الاتحاد الإماراتية ، كل ما فيها ينبئ عن فكر متّقد ونظرة عميقة للأحداث ، كان لها مجلس ثقافي في بيتهم تتجاذب مع صديقاتها المواضيع المستجدّة باستلهام عظيم للتاريخ وفحواه ، كان يشار لها بالبنان عند الخاصة لتميّزها في الثقافة ولطيب أخلاقها وجمالها كذلك ، نسيت أن أخبركم بأن اسمها نور .
بالطبع تخرجت جواهر بنسبة 98% من الثانوية العامة (الخاصة) ، وبدأ تفكير العائلة بمن فيهم عمّها الوحيد في إكساب أي جامعة شرف قبولها ، إنه الهمّ الذي يسيطر على معظم العائلات السعودية بمن فيهم العائلة المالكة ، كانت أولى أفكار عمّها بأن تقدّم أوراقها في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ؛ ولأن عمّها قضى ثلثيّ عمره في أوروبا إحصاءًا لثروة أخيه (والدها) ومتابعة ما بدأه من تجارة ؛ فكان لا يعلم ببعض المعلومات عن مدينته ، وكانت المفاجأة الكبرى عندما ذهب لمدير قسم التسجيل والقبول في جامعة البترول ليستفسر عن الإجراءات ؛ فإذا المفاجأة تكتمل حلقتها العضوية بأن الجامعة مخصصة للبنين !!
ماذا ؟!
للبنين فقط !!
وماذا عن نصف المجتمع وأخوات البنين !!
لم يصدق عمها سعود ما سمعه فنزل إلى الدور السفلي ، حيث تجرى حملة للتبرع بالدم ، تظاهر على الممرض بأنه أحد دكاترة الجامعة وزوده ببطاقة أحواله ، ثم مدّ خيّال قلمه (يده) وسحبوا من دمه ما يقارب 500 مل ، وطلب من الممرض المتدرب أن يعطيه 50 مل لأنّه يريده ، تعجب الممرض وتحت تأثير سحر الإقناع استجاب لطلبه ، توجّه مباشرة إلى مكتب مدير الجامعة وأخذ الورقة الرسمية للمخاطبة ، وكتب رسالة حبرها من دمه إلى معالي مدير الجامعة :
" إلى معالي مدير جامعة البترول د. خالد ..
السلام عليكم ..
ما أعرف أكتب زين بالعربي ، ولأني أكتب من دمي ، فأنا متظايق جداً ؛ لأن الجامعة بس للأولاد ، طيب وليش البنات ما يكون لهم نصيب في الجامعة هذي ؟ وإلا فلوسكم ما تكفي علشان تفتحون للبنات قسم خاص فيهم ، أنت الحين دارس بأمريكا ومثقف ، ولا تطالب بهالشي ، الله يسامحكم ياللي انصرفت عليكم فلوس الدولة وما رجعتوا تنصحونها كثُر ما تآخذون منها .
شاكر لكم حسن تعاملكم وتوفيركم خطاب رسمي للكتابة عليه ، بس يا ليت تخلّون الورق أثقل علشان لا يخرّ دم الناس منه ولا تقدرون تقرون رسايلهم .
سعود ...
055588.... "
هذه الرسالة تُنقل بحرفها ؛ لأن القضية أضحت مطالبة علنية للعلمانية التي تأخذ معنى معاداة السامية بالنسبة للهيلمان الإسرائيلي المنبوذ ، ربما تتضح المعالم أكثر في قصص قادمة !!
جواهـر أخبرتني بكل شيء لا تعلمه ، بل أضافت صمتاً بما تعلمه ، ظهرت مسيرة أعلام عجيبة في قصة جواهر ينبغي لكل مخيال أن يبحر في فضائها ؛ لأن كلية البنات في الدمام تعتبر قدحاً بإحدى بنات الخبر أن تدرسَ فيها ، وهذا هو السبب الرئيس لنجاح جامعات المملكة البحرينية المتحدة الشعبية الديمقراطية و تأسيس جامعة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز حفظهم الله جميعاً ورحمهم ، قررّت جواهر أن تواصل تعليمها في كلية البحرين الجامعية على أن تذهب يومياً إلى هناك ، تتحمّل متاعب السفر جميعها من جوازات وتحرش بعض رجال الجوازات بها وغير ذلك .
كطبيعة المسؤولين لم يرد د. خالد على الرسالة لكنه استغرب فعلا من فكرة حبر الدم ، د. خالد إنسان عظيم جدا ولا توجد لديه تصرفات غير مسؤولة ككثير من المسؤولين المحليين ، اتصل د. خالد بسعود وتوسل له بأن يلتقيه ، سعود تعجّب في قرارة نفسه من اتصال مدير الجامعة به وأسرّ إلى نفسه بالتكبر ، تظاهر سعود بأن السفر له موعد معه إلا أنه آثر أن يجلس من أجل مصلحة وطنية محضة !!
ذات يوم أعدت نور محفلاً ثقافياً عظيماً في بيتها ... يتبع لاحقاً ،